إعلان
إعلان

دمشق بين الحــرب والسلام ـ بقلم: الإعلاميّة عبير الحيّالي

سفير برس ـ عبير الحيّالي ـ لندن ـ دكتوراه بالإعلام الدولي

إعلان

دمشق، بأبواب حاراتها التاريخية السبعة، والجذور الحضارية التي تمتد لأكثر من ثمانية آلاف عام، وبياض الياسمين المتوج على ناصية الشبابيك، أبت أن تركع لسنوات الحرب السبع، واستمرت دمشق عصية على الغزّات والأزمات.

لم تكن دمشق على مر الأزمان طيّعة للإرادة القسرية للبشر، فاستعصت على المنطق البشري والسياسات الدوليّة بقبول منطق الأحداث والأزمات وتأثرها به.

رضيت أرض الأبجدية الأولى منذ فجر التاريخ بالاستقرار واختارت الحياة الهادئة والبسيطة منذ سار على أرضها الأنبياء والحكماء وبقيت على هذا المنوال الى أن عصفت بها الحرب المسعورة، لتفرض قانون الغاب على مدينة الياسمين فأبت وحاربت ولازالت تحارب، وتمسكت الشام وساكنيها بمبادئها ووجودها التاريخي، كما أراد لها أبناؤها وكما وصفها ابنها الدمشقي نزار قباني الذي قال متفاخراً بها:

كتب الله أن تكوني دمشقا… بك يبدأ وينتهي التكوين

علمينا فقه العروبة يا شام…. فأنت البيان والتبيين

إن نهر التاريخ ينبع في الشام…. أيلغي التاريخ طرح عجين؟

نراقب الأحداث داخل دمشق وحولها مستخدمين وسائل الإعلام المختلفة، لتترك لدينا انطباعآً بأن الخراب والدمار سيطر على المدينة، لكنك عندما يزورها الزائر يجدها دمشق نبض الحياة والسلام. أحياؤها يحفها الاطمئنان والسلام، وساحاتها تنبض بالحياة، وتشع بالنور وتمتلئ بالحراك البنّاء. تفاجئك شوارع دمشق عندما تزورها بأمواج البشر في حراك مستمر نحو الحياة، تبهجك رفوف متاجرها بشتى البضائع الدمشقية، تفوح عليك رائحة التاريخ وعبقه، والرائحة الذكية المنبعثة من مطاعمها ومقاهيها تفوح عليك في كل مكان لتذكرك بعراقة مطبخها الذي سارت بأخبار الثناء عليه الركبان.

لطالما أطلق على هذه الأيقونه اسم دمشق مدينة الفقراء ليس بسبب انتشار الفقر فيها بل بسبب اكتفاء فقرائها، اللذين لم تفرقهم الضغينة، ولم تهزمهم أبواق إعلامية طالما اعتاشت على أحزانهم والآمهم ودمائهم. نعم غيرت الحرب معالم بعض شوارعها وحاراتها ولكنها لم تستطع النيل من أصالتها، ومن طبيعة أهلها وعادات قاطنيها.

دمشق لا تكل ولا تمل، لا تلين ولا تنكسر، مقاومة دائماً للحرب والموت والأحزان، اختارت دمشق الحياة ناشرة عبق الياسمين بديلاً عن رائحة الموت القادم مع الحروب. لم تستطع النيل من صمودها أزمة السبع سنوات التي طحنت سورية وأتت على الكثير من البشر والبنى التحتية والقيم الاجتماعية، وأصبحت ككرة الثلج التي استمرت بالتدحرج والاتساع الى أن وصل الغالبية إلى قناعة محزنة، أن هذه الأزمة ستصل إلى ما لا نهاية.

سوريا ستعود أجمل مما كانت عليه، وستعيد مجدها كواحة للعيش المشترك، وتفتح مظلة الأمان، والاستقرار ليستظل بها الشعب السوري ومحبيها وعشاق ياسمينها، حيث إن الرهان في عودة تألقها، هو شعبها المقدام، فبعد هذه السنوات العجاف استطاع المواطن السوري المجروح أن يميز من يعمل ضد وجوده وضد كرامته ومن يبذل كل جهده لنزع هذه القطعة الفسيفسائية الباهرة الجمال عن كل أسباب جمالها وقوتها وعزتها، متذرعاً بأكاذيب الديمقراطية والحرية. اليوم سوريا أقوى لأن التجربة القاسية علمت أبناءها أن الوطن ليست حقيبة نحملها على ظهورنا ونعبر بها البحار والدول وعندما نصل الى تلك الأرض المنشودة نفتح الحقيبة ولا نجد الوطن.

من المؤكد أن سوريا أقوى لأن الشعب السوري أيقن أن العيش المشترك والصلات الاجتماعية لا يمكن أن تدمرها لافتات وهتافات دينية وطائفية تتطاير في الهواء، تلتقطها وسائل الإعلام لاستخدامها ضد وطنهم وضد وجودهم…سوريا أقوى، لأن السوريين أرادوها بلداً مستمراً وقوياً ومتضامنا وآمناً، لأنهم أرادوا لهذا النسيج أن يشتد ويستمر إلى نهاية الوجود البشري.. وسيفعل.. وستبقى سوريا، وستبقى دمشق مدينة السلام..

سفير برس ـ عبير الحيّالي ـ لندن ـ دكتوراه بالإعلام الدولي

                                                                      باحثة في جامعة بورن موث

 

 

 

 

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *