إعلان
إعلان

من أحـــزن اليـــمن الســـعيد.. ؟! . بقلم الإعلاميّة : د . عبـــير الحــــيّالي

خاص سفيربرس - لندن

إعلان

إن اليمن أشبه بالمتحف المفتوح، فهو موطن الحضارة والتاريخ، وأرضه تحفل بالكثير من المعالم والآثار والمواقع التاريخية والحضارية المميزة والتي تعتبر ثروة لليمن وللحضارة الإنسانية، متمثلة في التراث الثقافي والفني المادي وغير المادي. هذا الإرث يعكس مدى حضور اليمن في تقدم الحضارة الإنسانية، ويبين مدى العمق الحضاري اليمني الضارب في أعماق التاريخ الإنساني ويتمثل ذلك الرصيد الحضاري الثقافي اليمني في الكثير من المواقع والمعالم والأماكن والتراث الثقافي المتعدد والمختلف.
ذُكر اسم اليمن في الكتب التاريخية ولُقب عند قدماء الجغرافيين باليمن السعيد، وتعتبر حضارة اليمن واحدة من أقدم الحضارات في العالم، كما أنها كانت مجمعاً للعديد من الحضارات القديمة، فخلال القرن الحادي عشر ق.م ظهرت مملكة سبأ بجانب ثلاث ممالك أخرى في اليمن، كما أن اليمن يتمتع بموقع جغرافي وتجاري واستراتيجي هام. اليمن السعيد.. هو اسمه القديم، لازدهاره في زمن الحضارات العربية القديمة لوجود سد سبأ، أو سد العرم الشهير، ومن أهم الحضارات التي قامت على أرضه، حضارة سبأ، مملكة معين، حضارة حضرموت، مملكة حمير، مملكة أوسان. إنه بلد يمتد تاريخه العريق لأزمان سحيقة، فعلى أرضه عاش سام بن نوح عليه السلام حيث خرجت منه واستوطنت حضارات دول العراق وبلاد الشام ومصر وشمال إفريقيا والتي تسمى بالهجرات الإنسانية القديمة.
شهد اليمن عبر تاريخه الحديث حروباً وصراعات سياسية مسلحة، وكانت المواقع الأثرية والمعالم التاريخية تتعرض كل مرة للتدمير، والنهب، والتهريب. وزاد تعرض هذه المواقع والمعالم لمثل هذه الأعمال في عام ٢٠١٥ نظراً لوجودها مباشرة في مناطق الصراع المسلح، وهذا ما من شك يشكل تهديداً خطيراً يضاف إلى سلسلة التهديدات التي تواجهها هذه المواقع، خاصة أنها تحولت هي نفسها إلى ساحات معارك واشتباكات، إذ اُستخدمت من قبل أطراف الصراع كمواقع عسكرية استراتيجية، ودفاعية، وهذا ما يعرضها للقصف والدمار، مما دعا المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) السيدة “إيرينا بوكوفا”  إلى دعوة جميع الأطراف إلى حماية التراث الثقافي لليمن، وطالبت أن تمتنع كافة الأطراف المشتركة في القتال الدائر عن استهداف مواقع التراث الثقافي والأبنية التاريخية من خلال عمليات القصف أو الضربات الجوية أو استخدامها لأغراض عسكرية.
اليمن البلد الذي كانت السعادة جزء من اسمه لم يأخذ منها نصيب، فمن أحزن اليمن السعيد؟ ساسة؟ أم انتهازيون تسابقوا على كراسي مكسوة بأشلاء أجساد أطفال اليمن؟، أم فصائل متقاتلة متناحرة؟ أم قوى إقليمية جعلت من اليمن مسرحاً لصراعاتها؛ فهُدر الدم اليمني وصار الأرخص في الحرب اليمنية.
خطا اليمن في عام ٢٠١٥خطواته نحو المجهول عندما نشأ تحالف تحت ادارة المملكة العربية السعودية الداعمة لحكومة عبدربه منصور هادي وهدفه التدخل لايقاف تمددالفصائل الحوثية التي كانت قد سيطرت على مساحات واسعة من البلاد والمدعومة من إيران أكبر خصوم المملكة في المنطقة، و هكذا أخذ الصراع ظاهرياً شكل الخلاف اليمني اليمني ولكنه ماكان إلا مواجهة ايرانية- سعودية بالوكاله، ومابين التناحر الإيراني-السعودي بزغت أكبر أزمة انسانية على الاطلاق مخلفة مايقارب ١٤ مليون نسمة على شفا مجاعة حقيقية وذلك حسب ماورد من الأمم المتحدة على لسان متحدثها مارك لوكوك،  ولاسيما بعد حرمان اليمنيين من الإمدادات الحيوية، وفرض مقتضايات الحرب قيوداً على المطارات والموانئ اليمنية، في ظل تقاعس أممي واضح.
تداعى المجتمع الدولي بعد تعرض المملكة العربية السعودية للإحراج أمام المجتمع الدولي بسبب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي والكاتب لمقالات رأي في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في قنصلية بلاده في اسطنبول، لفتح ملف حرب اليمن وظهرت أصوات منادية بوقف هذه الحرب وإعادة النظر بصفقات بيع الأسلحة للملكة، ومن المرجح أن تكون الانتهاكات التي حدثت في هذه الحرب هي السيف النائم في غمده والذي يمكن أن يشهر في وجه السعودية كخطوة لاحقة لأزمة مقتل خاشقجي.
خلال سنوات الحرب الأربع بزغت عدة مشاريع لمفاوضات السلام في اليمن ثبت فشلها مراراً وتكراراً بسبب عزوف جميع الأطراف المتنازعة عن الحل السياسي. السؤال الذي يفرض نفسه هنا وفي هذا التوقيت، هل تغير المعطيات على أرض المعركة سيغير من حال الفرقاء شيئاً؟
حل النزاع الذي ابتليت به اليمن يجب أن يراعي كافة الجوانب السياسية والانسانية والاجتماعية والتنموية، وهذا ما يجعل الحل أكثر تعقيداً مما نتخيل. ولربما كان الحل في اليمن ينقسم إلى قسمين الأول يمني والآخر دولي، وسأبدأ بالشق اليمني لأنه أساس الحل، بأخذ القرار بالجلوس على طاولة مفاوضات يمنية- يمنية، وخلق الأجواء الملائمة لبدء محادثات حقيقية وجادة فيما بينهم، ولن يتحقق هذا إلا بإيمان هذه الأطراف بأن التسوية في اليمن لن تكون إلا من خلال الحل والتوافق السياسي فيما بينهم، بالإضافة إلى تقديم المصلحة اليمنية والإخلاص في العمل لصالح الشعب اليمني الذي يقف على حافة المجاعة والانهيار الاقتصادي والاجتماعي، واقتناعهم بأن الأزمة اليمنية تحولت الى أزمة وجود لبلادهم وتجاوزت كونها أزمة صراع على سلطة.
ومن ناحية أخرى، ينبغي الضغط على دول التحالف لوقف العمليات العسكرية العبثية في اليمن، وفتح ميناء الحديدة للسماح بوصول المساعدات الانسانية، وخصوصاً أن الأجواء السياسية جيدة لممارسة هذا النوع من الضغوطات بعد الاستياء الدولي الحاد لمقتل الصحفي خاشقجي، وفتح ملف حرب اليمن والانتقادات الدولية الواسعة لهذه الحرب. ومن جهة أخرى تسهل حزمة العقوبات الحادة الأخيرة على إيران عملية الضغط عليها لوقف تمويل الجانب الحوثي وحثهم على الجلوس على طاولة المفاوضات، وإيجاد آلية دولية أفضل في إيقاف التمدد الإيراني في المنطقة بدل تعريض الشعب اليمني لكل هذه المآسي كوسيلة لإيقاف هذا الانتشار الإيراني المليء بالمغامرة.
إن الصراع اليمني، كان مدمراً إلى درجة القول بأنه حوّل هذه الأيقونة التاريخية والثقافية والحضارية إلى كتلة رماد، وأرضاً للأمراض، وبلاداً للأحزان والجوع. الحرب اليمنية هي حتماً أسوء حروب العصر الحديث، وصنفت من قبل برنامج الغذاء العالمي على أنها اسوأ كارثة انسانية خلال مائة عام، كما أن الدراسات تشير الى أن نصف الشعب اليمني على حافة الموت جوعاً بسبب هذه الحرب. الشعب اليمني اليوم بدا محاصراً بالموت من كل الجهات فهو إما أن يقتل بآلة الحرب، أو أن يقتل جوعاً ومرضاً. حان الوقت لقطع الأيادي العابثة بأرض اليمن وتاريخها وحضارتها عن طريق التوصل إلى حل سياسي يتجاوز به اليمنيون مصالحهم الشخصية وتوجهاتهم السياسية وكذلك الطائفية.

سفيربرس ـ بقلم : د . عبـــير الحــــيّالي
 باحثة في الإعلام الدولي لندن

إعلان
إعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *