إعلان
إعلان

حق الرّد فعل استراتيجي مقاوم _ بقلم : سماهر الخطيب

#سفيربرس

إعلان

مشهدان تصدّرا واجهة الأحداث خلال الفترة الماضية، اندلاع الشارعين اللبناني والعراقي، والغارات «الإسرائيلية» المتكرّرة في دمشق وغزة.

من حيث الشكل، قد لا يبدو أنّ ثمّة ترابطاً بين الحدثين، لكن، في الجوهر، يكاد يكون الاستهداف واحداً والمعركة واحدة، عبر مخطّط مدروس الخطوات ومعلوم الأهداف هو قرار متخذ لمحاصرة لبنان والعراق وسورية وغزة المحاصرة أساساً، ولضرب البنية السياسية والاقتصادية والمجتمعية ككل، وتحديداً، البنية التي تحمي جبهة المقاومة في المنطقة، والمجاهرة بذلك.

وطبيعة العدو الواحد والدائم، هي مَن يجمع هذه الأحداث، والتي هي الولايات المتحدة الأميركية، متمثلة بكيان غاصب سمي بـ»إسرائيل» المتمادية في عدوانها أضف إلى ذلك، الهيمنة الاقتصادية وسياسة الحصار المستمر، والتدخلات لدفع الأمور إلى مزيدٍ من التوتر بهدف تثبيت التفرّد الأميركي في إدارة العالم من جهة، بعدما باتت هذه الأحادية مهدّدة بفعل ما يحرزه عدد من الدول والتكتلات من نجاحات وتقدّم على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتأمين حماية «إسرائيل» بعدما باتت مهدّدة بفعل ما أحرزته جبهة المقاومة من نجاحات وتقدّم على المستويات العسكرية والتقنيّة الصاروخية من جهة أخرى..

في ظلّ هذه الأجواء، جاء الاعتداء المزدوج على الجهاد الإسلامي، في دمشق وغزة، والهدف منه تغيير قواعد الاشتباك على حدود المواجهة وخطوطها.

وكلما قام العدو الصهيوني بشن غارة جوية ضدّ دمشق تبدأ بعض الأصوات «الرمادية» تصدح متسائلة عن حق الرد، وغيرها الكثير من التساؤلات التي تصب في خانة الضعف، وفي كثير من الأحيان تكون خانة الاستكانة والخنوع لأسئلة بلا أجوبة..

وإن كنت مع المقاومة وحلف مناهض للاحتلال، فلماذا الاستهجان كلما قام ذاك العدو الغاشم بضرب أحد المواقع من بعيد، وتتمتم فليعلنوها حرباً وسأكون أول من يحمل سلاحه ضدّ العدو الصهيوني فلا تتحججوا بحق الرد!! أليست هذه الكلمات التي تدور في الكثير من الأذهان ووراء الجدران؟ فأين حق الرّد؟ وأين الزمان والمكان المناسبين للرّد؟ ونحن منذ حرب 1973 في صدّ وردّ، كمكرّ ومفرّ والمقبل المدبر معاً، وباتت قلوبنا متجلّدة كجلمود الصّخر الصوّان الذي إذا ما أردت كسره تشعل النار من جرّاء احتكاكه.. فلنقم معاً بجولة بانورامية نضيء عبرها أو تضيء لنا حق الرّد..

عام 1948 كان عاماً بائساً لمنطقتنا حتى سمّي عام النكبة لما حمله من مصائب وويلات لازالت تداعياتها إلى الآن، ولم يكن الرّد بحجم الفعل إنما وبعد أيام قليلة بدأ الرّد الشعبي عبر تشكيل فصائل مقاومة للعدو الصهيوني من كتائب القسام إلى فتح والجهاد العربي وغيرها من الفصائل الفلسطينية التي لاقت الدعم من الدولة السورية وكذلك اللبنانية والمصرية أيام جمال عبد الناصر وكان الرّد عام 1956 عبر تأميم قناة السويس، فكان الفعل العدوان الثلاثي على مصر وما تبعه من توسع في احتلال لأراضٍ سورية ومصرية وفلسطينية وأردنية بحرب 1967.. ثم كان الرّد في حرب 1973 ووصول الجيش السوري لبحيرة طبرية، وكذلك المصري الذي تجاوز بعض المناطق في فلسطين المحتلة وكانت الوقفة العربية بمنع تصدير النفط وشل العالم حينها فكانت كامب ديفيد المصرية كفعل عطّل تلك الوقفة وشل ما فيها من قوة وما تبعها من اتفاقيات مذلة في أوسلو وغيرها وصولاً إلى محادثات السلام السورية «الإسرائيلية» والفلسطينية «الإسرائيلية» وما سمّي بخارطة الطريق وحل الدولتين..

في هذه الأثناء كانت سورية ولبنان أو المقاومة في لبنان الدرع الحصينة والممانعة لتلك المشاريع الاستعمارية فكان صمودها رداً عما تسمّونه حق الرد.. لم تحتفظ بحق الردّ ككلمة بل كمفهوم فلسفي في عالم السياسة، فكان الفعل بالحرب الأميركيّة في العراق وحرب تموز 2006 في لبنان والحرب في سورية لإضعاف هذا الرّد، وبانتصار تحقق عقب سنوات عجاف كان حق الردّ مفعلاً كما في تحرير الجنوب اللبناني والانتصار في تموز 2006..

أضف إلى ذلك، صمود محور المقاومة أمام هذه الحرب الاقتصادية أو الإرهاب الاقتصادي الذي شنته أميركا ضده هو حق رد على فعل إرهابي..

وبطبيعة الحال، تشكّل منطقتنا إحدى الساحات التي يدور فيها الصراع العالمي، وحروب بالوكالة وتصفية حسابات عبر الوكلاء. هذا الصراع ليس جغرافياً وحسب بل يمتد ليصبح صراعاً على التاريخ والحاضر والمستقبل. وما الحروب المنتشرة في معظم أرجائها إلا ترجمة فعلية لتلك الأطماع المستمرة منذ عقود.

وإذا ما فرضنا جدلاً أنك ستحمل السلاح وتلتحق بركب المقاومة إذا ما أرادت محاربة «إسرائيل»، فلتعلم أنك لن تحارب «إسرائيل» وحدها بل أذنابها العربية والغربية وستواجه العالم، ولن يأتي الملك فيصل لإيقاف تصدير النفط نحوهم، بل سيجتمعون ضدّك، وسيقطعون الطريق نحوك ويوقفوا تصدير الغذاء اتجاهك ويوجهون كل وسائلهم الإعلامية وخلاياهم النائمة نحوك لكونك قررت محاربة راعيتهم الاسرائيلية..

وما جرى مؤخّراً من تصعيدٍ معلن، من فلسطين المحتلة إلى سورية من قبل العدو الصهيوني، مع ما رافقه من استغلال للشارع المنتفض في العراق ولبنان، وجولات التطبيع مع الدول العربية، يعكس مستوى قلق الكيان «الإسرائيلي» وتعاظمه حول أمنه واستقراره، لأن الفعل بات في يد المقاومة ما دفعه للعمل على افتعال واقع جديد في المنطقة، بتوجيه الضربات التي يراها مفيدة له، وفي فرضِ واقعٍ يخفف من المخاطر الأمنية عليه، كمثل إشغال الشارعين العراقي واللبناني، والسعي لنشر قوى دولية تقوم بحماية ومراقبة الحدود العراقية ـ السورية ـ اللبنانية كوسيلة أكثر ضماناً من قصفه لطرق الإمداد..

وفي العودة إلى حق الرد، فإنه دائم، لا ينتظر الفعل فحسب، بل هو موجود كفعل في كل يوم مع كل صمود وما تقوم به تلك البائسة الصهيونية ليس إلا تعبير عن فشلها وضعفها أمام فعل المحور المقاوم.. فإدارة الصراع باتت عبر استراتيجيات عصرية تكتيكية تقوم على فلسفة اللحظة، وما يمتلكه كل طرف من قيمة مضافة لقوته تجعل من مالكيها مالكين القرار الاستراتيجي، وبالتالي الفعل الاستراتيجي المقاوم وإن لم يعد رد جيش جبهوي، إنما كما في فن الحرب، فعل وردّ في كل زمان ومكان، بعيداً عن المساومات المذلة بفعل مقاوم لا يستثنى فاعله ومفعوله..

#سفيربرس _بقلم : سماهر الخطيب _البناء 

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *