إعلان
إعلان

شروق الضّو ـ بقلم : فاتن بركات

# سفيربرس

إعلان

وُلدتُ لأسرةٍ مجدولة من أربعة عشر ولدا،كان رقمي تسعة، لم يتكلفوا عناء مناداتي باسمٍ يليق بي، فاسموني التاسعة، ما بعدي كانوا ذكورا حليقي الرأس دائما نظيفي الهندأم..

بيتُنا كمثل بيوت القرية، غُرفةٌ كبيرةٌ، تتسع لنا ولزوارنا في سهريّات الشتاء القارص.

شتاؤنا يغلب عليه الثلج والضباب طيلة ثلاثة اشهرٍ،ننقطع فيها عن العالم، لذا تجدُ نساءنا تكتنز ردفا عريضا وخصورا كـ أكياس البطاطا الكبيرة، وعليه فإنهنّ يملأنّ عنابر المونة من مُجففات الفاكهة الصيفية، والكشك والقمح والطحين، لليالي مربعينية الشتاء المُعتمة المُثلجة،صوت أبي يحثنا لحقول القمح، مع أولِ خيط للشمس،كنتُ اظنُّ ان خيوط الشمس تتدلى منها مُنبّهات الانتيكا، تزغرد برنين حاد،كزغردة جارتنا وحيدة يوم زفّوها عروسا لبهلول قريتنا.

فنجفل بعيون تنكر ضوء النهار، مستمتعةً بساعات النوم الدافئة..

إلى حقولِ القمحِ ومُدّرجات التوت نمضي، جارُنا يحثّ ثيرانَه بهمّة خرافيّة، تارةً يمدحُها وتارةً يستشيطُ كُفرا غضبا …

ِِقِدْرُ الحليب على موقد، اوقدته أمي بمهارةٍ، سنحَ لنا تناول وجبة (مغطوطا)، لحظتها كان لرائحة خُبز التنور حضورا يدفعنا للانحناء، و شهيةًتدفع بلعابنا لطلب المزيد.

تزوجت مع أول بلوغ لي..كانت أمي تقول للجارات المُهنّئات: (التاسعة حظها بيفلق الحجر..عريس تتمناه كل العجيّات..طول وجمال وعنده أراضي كتير…بيربيها على ايدو..متل شي عنزة)، ودون الدخول في لحظات الدُخلة المُريعة…حَمِلتُ فأصبحتُ أم سهيلة، مأمن مرة ناداني بإسمي الذي اشتاقه، أم سهيلة تعالي..أم سهيلة نأمي..

غير أنّ حظّي لم يكن كما حلمت أمي، يوم شمخت برأسها:ابنتي ولود ….

تأخر الصبيُّ كثيرا، مضت عشر سنوات، نتج عنهاخمس بنات، وليس هناك من صبي، يجبر الخاطر.

زوجي صاحب الطول والجمال والأراضي دون صبي ياللهول ياللكارثة، كثرت الاقاويل والشورى:

_ادهني سرتك بزيت الزيتون..

وأخرى:

الشيخ جلّاب..أشهر من جبر بخاطر المقطوعين، بصُبْيان كثر..

أما أمي فقد نعتتني بالمغضوبة

 

تزوج الطويل الجميل صاحب الاراضي ثلاث نسوة ..ومأمن صبي يليق بذكورته، سمعت بدورة محو أميّة،رغم عيونهم و رؤوسهم وأفكارهم المرهقة، قرأت أسمي ..كتبته …

حين انتهيت من الدورة ..كم كانت فرحتي كبيرة بأنني اصبحت أجيد القراءة ضحكت لي الحياة..

بدأت اتسلل مع بناتي لقراءة القصص والحكايات الشعبية، نسوة الحيّ ضحكنّ ورجالهن،حتى الكلاب والبقر ضحكوا عليّ قال:بعد ماشاب ودوه ع الكتاب، بناتي الخمسة جهدت ألّا ينحون نحوي، تحمّلت ظُلم ذوي القربى، زوجي لم يكن قريبا منا..فإثنتا عشرة بنتاً اضافية حطم اتزانه، فأرسل مابقي من وعيّه الى منابع الانهر السخية وزواريب البيوت، فيأمن تراه ساهما ناعسا بقرب احداها. كَبُرت البنات مابين حقول القمح والتوت و كتب المدرسة والجامعة. ولاولِ مرةٍ يتسارع الدم الى وَجّنتي، ولكن هذه المرة فرحا سرورا سعادة، لاول مرة أسمع أسمي يُلفظ بكل مشاعر الاعتزاز..

_ كلية الهندسة الزراعية تهنئ الطالبة ريم بنت شروق الضو لتفوقها.

غِبتُّ عن ساحة الحضور، تطاير رفُّ حمأم بل أسراب حمأم من شرفات قلبي،كان الحمأم يلفُّ خيالي إلى حيث أبي اخوتي أمي زوجي جيراني.

اعرف أنه لأمر اناني منّي ..انني تمنيت ومن كل قلبي ان تسمع الدنيا ماسمعت، اسمي: شروق الضو..أم سهيلة المُعلمة وأنيسة الممرضة و ريم المهندسة و وريحانة صيدلة سنة خأمسة و وحبّة العنقود الصغرى، مريم  رسّأمة البهجة،كلهنّ كرنين غزلان الأعياد،لهنّ اسماء لا أملُّ من منادتهن بها ،ومن الطريف في الأمر..

أن مريم فازت بلوحة خيوط الشمس التي تتدلى منها مُنبّهات الحياة بكل انواعها من حُبٍّ و كُتب وأغنياتٍ وشروقْ.

# سفيربرس _ بقلم : فاتن بركات
اللوحة للفنانة shazly khan

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *