إعلان
إعلان

كتب الدكتور محمود شوبر ..الفن والفكر .{المعمارية عبير خضر} انموذجاً

#سفيربرس _  العراق

إعلان

لربما لانجد فرقاً بين هذين المصطلحين ظاهراً، ولكن المختص وارباب العلم المشتغلين في جوانب التنظير الجمالية يرون ان الفرق بيّنٌ وجلي للعيان.

قبل الخوض في متن المقال دعونا نستعرض وبشكل مبسط ماهية الفن، وهي كما أراها الان وبعد كل العصور والمدارس الفنية التي مرت منذ القرابة 700سنة من الان . اذا ما اخذنا الفنون التي انتجت من عصور الركوكو والقوطي والباروكي وصولا لعصر النهضة وماتلاه من ظهور المدرسة الكلاسيكية وصولا الى فنون مابعد الحداثة . نرى ان جل اهتمام الفنان ينصب في جعل الفن قريناً للفكر وتداوليته الحياتية ان جاز التعبير. وبذا يكون منزهاً عن جانب (الحرفة) او الصنعة باتجاه الذات وماتعتريها من هموم وهواجس تبدأ من النقطة الاضيق لتتسع الى كل مديات هذا الكون الرحب ، متأثرةً بها ومؤثرة فيها،

وهكذا تمت الاطاحة بكل المعايير الجمالية التي ظلت مهيمنة لقرون مضت على فهم الفنون الجميلة ودورها الانساني، وقد يحيلنا هذا المعنى الى الخلاف الابدي مابين المثاليين والماديين في طرحهم (الفن للفن) و(الفن للحياة).

لم يعد الان قيمة جمالية تذكر لل(جيوكندا) سوى قيمتها التاريخية التي علقت بالذاكرة الجمعية للانسانية، كذلك لم تعد تلك الصرخة التي خرجت ب(اللاوعي) من (مايكل انجيلو) لتمثاله الشهير (موسى) بعد أن رأى دقة الصنعة والتفاصيل وصلت لدرجة الاقناع المفرط لواقعيتها حيث رمى بمطرقة النحت تمثاله قائلاً(انطق ياموسى).

اقول لم تعد هذه الصرخة تفعل فعلتها الان بعد ظهور (الطابعات الثلاثية الابعاد) التي بأمكانها ان تستنخ كل تمثال وبأعلى دقة.

إذن العلم شذب (الفن) من سطحيته التي كان الفنان متشبثاً بها معتقداً انها قمة الفن. وصار يتعمد الادهاش، وصار الفن الجيد هو الفن الذي يثير التساؤل والدهشة لدى (المستقبل) المتلقي.
وهنا نرى التغريب او الذهاب الى المواضيع الاكثر غرابة وجدة، بحيث تكون (الفكرة) هي الاساس في نجاح العمل الفني من عدمه.وبالتأكيد كل فكرة تحتاج الى عقل مفكر مدرك لما آلت اليه الامور في الفن ومختلف الامور الحياتية الاخرى.

في زيارتي للمتحف الوطني الاردني كانت هناك حديقة تفصل مابين بنايتي المتحف التي تضم اعمال اسيوية وافريقية (هكذا ارتأت ادارة المتحف) بتصنيف المقتنيات العائدة لها.

هذه الحديقة كانت تكتظ بالاعمال النحتية لفنانين من مختلف الجنسيات، وفيها اعمال لاسماء كبيرة من نحاتي العالم.

من بين تلك الاعمال اثار انتباهي عمل للفنانة الاردنية (المعمارية عبير خضر) ، عبارة عن كتلة من الحجر المحلي (الاردني) مستلقية بشكل عفوي على الارض بدون قاعدة تذكر وبدون تدخل مباشر من قبل الفنانة. الا بلمسات ذكية وضعتها على (جسد ) الحجر الذي كان (تكتيله ) بشكل افقي مثير للانتباه، وكأن واجهته الامامية تحاكي السفينة التي انقذت البشرية من الانقراض في طوفان نوح (عليه السلام)، كأنها اشارة من هذه الفنانة التي تعول على فطنتها وذكاءها بشكل كبير ، مفاد هذه الاشارة يوحي الى حملها للجمال برمته على ظهر (حجر) اقتطع من جسد جبل، لربما كان وجوده كان مفيد ولكن الاكيد ان وجوده الان هو الاكثر افادة والاكثر عمق .

اللافت للانتباه ان هذه الفنانة المعمارية ، ارادت من خلال عملها هذا ان تقول لنا جميعا
(اننا اجرمنا بحق الطبيعة، نأتي على الجبال الراسخات من ازمنة سحيقة . لنحيلها الى بلاط نمشي عليه او مداخل نزين به بيوتنا، متناسين الاثر الجيولوجي الذي نتركه بفعلتنا تلك على الكوكب، وعلى الخلائق الاخرى التي ربما تحتفظ بسرديات عن اماكن ازاحها الانسان بعنجهيته) وبذلك تكون الطبيعة هدفاً مباحاً لجميع (سهامنا) التي تصيبها بالصميم.

هل نتاج ذلك سيكون عاقبته وخيمة علينا ، ام ما اقترفته ايدينا كان محض عبث نمارسه مع محيطنا الذي يجب علينا فهمه وفهم احتياجنا الفعلي منه.

انه الاسراف الذي يقتل كل شيء. ثقافة الاستهلاك والتسويق التي بدأت تطال الأفق لتتلاعب بخط المنظور الذي كنا نرسمه على ورقة الدرس الاول لدرس (الانشاء التصويري) .
والغاء ل(نقطة التلاشي) التي تلاشت قبل ان تتلاشى خطوط .

تساءلت وقتها مع نفسي، ماذا لو فعلت كما فعل الاخرون في اضافة اشياء (مواد اخرى) لمنحوتاتهم، هل سيبقى هذا العمل بهذه القوة من الطرح والفهم للوظيفة الملقاة على عاتقه فكرياً.

ماذا لو فعلت فنانتنا بعرض منحوتتها بشكل عمودي يكون مثل زاوية قائمة اضلاعها (المنحوتة) ومستوى الارض، ترى كيف سيكون، هل سأراه كما أراه الان مع هذا الكم من الهيبة.

واعتقد كون ان الفنانة اصلها (معماري) فهناك عقلية اخرى متحكمة او تتحكم بأنتاج النص الجمالي، إذ ان (المعماري) ينظر لمستويين الاول مايخص الجانب الجمالي والثاني مايخص الجانب الوظيفي. وهذا ما اشار اليه (هيجل) في نقاطه الثلاث حول علاقة الشكل بالفكرة والوظيفة بالشكل.

لقد نجحت (خضر) بسحبي الى منطقة تفكيرها المحملة بالهم الانساني الذي تؤطره المعاصرة وتعتصره مكننة الحداثة ، ورغم سكون هذه الكتلة الصخرية . وهيبتها التي تعود بنا الى هيبة التاريخ، لكنها تدفع بنا الى الامام بقوة، تكاد تكون سرعة هذه القوة معادلة لسرعة دوران الارض حول محور المجهول.

#سفيربرس _ بقلم : د. محمود شوبر _  العراق

 

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *