إعلان
إعلان

قراءة نقدية في تجربة الشاعر الكبير صالح هواري..

#سفير برس: ماجدة البدر

إعلان

أقام فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب في مقره الكائن بدمشق ندوة بعنوان: (قراءة نقدية في تجربة الشاعر الكبير صالح هواري)،حضر الندوة الدكتور محمد الحوراني، رئيس اتحاد الكتاب العرب، والدكتور إبراهيم زعرور، رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب. وحشد كبير من الأدباء والمثقفين.
افتتح الفعالية الدكتور إبراهيم زعرور قائلاً: (أرحب بكم أجمل ترحيب، طبعاً الشاعر الكبير صالح هواري والناقد الكبير أحمد علي محمد، لا يحتاجان للتعريف.. فهما أكبر من أن نعرفهما.. وأهلاً وسهلاً بكم جميعاً، فرع دمشق كان ومازال منبراً للأدب الملتزم، ذلك الفرع الذي أسس له الدكتور محمد الحوراني ، رئيس الاتحاد ورسخ تقاليد العمل في هذا الفرع، يكمل اتلك المسيرة التي بدأها الدكتور محمد الحوراني، الذي استحق إدارة وثقة أعضاء اتحاد الكتاب العرب، وحاز على أعلى الأصوات في المؤتمر الانتخابي لاتحاد الكتاب العرب، وحاز على ثقة القيادة في الحزب والثورة لأن يكون رئيساً لاتحاد الكتاب العرب نحن نرحب به بشكل خاص.. وهو معكم دائماً ويتواصل مع الجميع.. وهذه سمة أساسية في شخصيته أنه يستقبل الجميع ويرحب بهم بكل الحب والاحترام، فأهلاً وسهلاً بالدكتور محمد وأهلاً وسهلاً بكم جميعاً)..
*الدكتور أحمد علي محمد تفضل:
(قراءة نقدية في مختارات “ولولا عين شكي” لقيثارة فلسطين صالح هواري)..
سؤال الاختيار: لماذا صالح هواري وما رصيده الثقافي في ذاكرة الأجيال؟
صالح هواري قبل أن أتعرفه أستاذاً في مدرسة الرامة التابعة للأونروا في مخيم جرمانا، في سبعينيات القرن الماضي، وكنت طالباً إذ ذاك في تلك المدرسة، سحرتني أناشيده التي كانت تغزو سمعي من خلال برنامج صوت فلسطين، من إذاعة دمشق: كل شيء للوطن، كل شيء للقضية، ليس للروح ثمن، فهي للأرض الأبية..
حين وقعت عيناي عليه لأول مرة أشار شخصٌ يعرفه هذا صالح هواري، تذكرت على الفور، فقلت: أهذا الذي طير كلمات في الأثير، من ذلك الوقت حفظت له ذلك النشيد، الذي تنتشي روحي بترديده على الدوام، فقلت أخيراً، صالح هواري قيثارةُ فلسطين..
***
انطوت قصائده وأناشيده (المترجحة بين العمودي وشعر التفعيلة)، وبين الصمت الإيقاعي والرنين، بيد أن روحاً متوثبة تنبعث من قصائده كلها تشي بروح طفولة مُبهجة تتسرب مع أغانيه من خلال إيقاعات اللغة أولاً، ذلك لأن هواري ممن دعم لغة الشعر بالعبارات التلقائية والمسكوكات الكلامية بعد معالجتها إيقاعياً، وهذا ما زاد من رصيد الشعرية الباهرة في شعره وأناشيده على حدّ سواء، يضاف إلى ذلك إفراغُهُ زاداً عاطفياً على التراكيب حتى ترى كلماته ناطقةً وقصائده مترعة بأنفاس العاطفة، وإذا كان لابد من التمثيل بالنماذج هنا نورد مطلع قصيدة عمودية ناطقة:
ومن حجر الغواية صيغَ عمري كيف اقتنعُ
هي امرأةٌ تخادعني فأطرب حين أنخدع
تُبصّر لي لتغريني لها أُصغي وأستمع
أصدقها مع أن كلامها في الحب مُخترع
ومن تحتٍ إلى تحتٍ علينا يضحك الودع
لماذا كلما ضحكت توجع في دمي الوجع

هنا مقطع أول في قصيدة سماها “هي الدنيا”، وهو نص عمودي كامل غلبت عليه فتنةُ الصّوغ من لدن شاعر ذي تجربة واسعة وعميقة في مدارة الكلم، ومعاندة القوافي، فكان هذا النّص باباً لاختراع لغةٍ شعرية تمتح من الموروث الكلامي الشعبي الذي يصوّر روح الهواري، وهو يجتابُ عالم اللغة ليقول لنا: إن الناتج الشفاهي للغة الشعرية لا يترفع عما يدور على ألسنة العامة، (من تحت لتحت) وهي عبارة حية طلقة، ولكن فيها شبهة واكتشافٌ وتحذير وانتقاد وخبث واستثارة وخداع… تختصر عالماً من اللغة ، لذا أكمل فيها الوصف المرفولوجي الذي لخص فيه حيل الدنيا في الغواية والخداع والإغراء والتبصر والاستبصار والحب والاختراع، فهذه أممٌ من الكلمات يضمها شاعرٌ أريب إلى شرعة القصيدة لتمسي حبلى بالدلالات والإيحاءات التي صبّها في قالب وزني صادح بإيقاع رهيف، يُعجز الحزاورة فكيف الأطيفال الذين حولوا القالب في عصرنا هذا إلى شكل جامد.
عودٌ إلى لغة النص والتكرار الحلو الذي يلبس إيقاعاً بمقاسه تماماً، وهذه صنعة الهواري، توجع في دمي الوجع، ولاختبار صلابة التكرار هنا نجرّب تقنية الاستبدال، هل يمكن إبدال كلمة بغيرها في العبارة هرباً من التكرار هذا محال، فلو رجحنا “تألم” بدلاً من “توجع” ضعف طاقته الإيقاعية للتركيب، مع أن حرف العين في توجع يخرج من أقصى الخلق بحسب الفراهيدي في معجمه “العين” ذلك لأنها أعمقُ الأصوات، فيجهد المتلفظ في إخراجها من الجوف، فكيف لذَّ للهواري تكرارها موفولوجياً ليقول: يتوجع الوجع، ومن ثم فهو تركيب شعري بامتياز، وصحيح أنَّه هو تكراري إلا بعدل المقصّد فيطرب ويُحزن ويبكي ويمتع…
ومن ظواهر الشعرية في شعر الأستاذ صالح هواري الذاتية المُرواغة كما في قوله:
ولأنك المعنى الذي أحتارُ في تفسيره/ سيظل حبُّك غامضاً في معجمي / حتّى تبين البسمة البيضاء من وجع القصيدة، يا أميرة دهشتي،
لما انتفض السيابُ وأضرابه على العمودي، وكان من أسباب الانتفاضة الخروج عن الإيقاع الرتيب، والتقليل من هيمنة الذاتية، والانفلات من أسر القالب الوزني الذي يُقسم الكلام بمقدار النغمات، مما يوقع في الحشو، قام الهواري بانتفاضة على الانتفاضة، بمعنى أنَّه أعاد الإيقاع إلى مجراه ثم عالج اللغة من خلالها معالجة ذاتية لم يتنبه عليها زعماء قصيدة التفعيلة، عمل كل ذلك مستجيراً بمقدرة شعرية مدهشة، وعندي: الأميرة المدهشة التي ليست القصيدة بوصفها عنواناً مستأصلاً من رحم النص، ليست إلا القصيدة في مواجهة صانعها، القصيدةُ هي صنيعة فرانكشتاين، ولكنها هنا صنيعة تامة خلقة جميلة، متحدية، ذاتية ، مدهشة، يختم الشاعر القصيدة بقوله: ودارت الأيام صرت البندقية أنت…. صرتُ أنا الدرينةُ، وهو الصنيعُ نفسه الذي يقتحم به الشاعر المحظور اللغوي، والمغايرةُ الدلالية هدفُه، ومنهلُه المسكوكات الكلامية المتداولة، فـ “دارت الأيام”، رأسُ أغنية لكواكب الشرق، و”صرت البندقية” متلفظ تكراري في شعر الهواري، وهو من ثم لسان التحدي عنه، و”صرتُ أنا” انتهاك لغوي، لجمعه بين تاء الفاعل والضمير المتكلم المنفصل أنا، وهو مؤشر دال على تكثيف الذاتية، وهذا ما يختتم به نص مفعم برائحة الشخصانية في كل شيء، ومجال تشكيلي مهم، يعد مفتاحاً لشعر الهواري ونفسه في آن..
في قوله “سيظل حبك غامضاً في معجمي”، و”وجع القصيدة”، ائتلاف دلالي مهم، يشير إلى العودة إلى الصفر، فلغة المعجم هي اللغة في درجة الصفر، كما قال الناقد الفرنسي رولان بارت، أي مفرغة من الدلالة ، ولكن ما المراد هنا؟؟ الجواب هو حقن النص بالتناقض: “رجل أنا متناقض حتى التألف”… “لي ينتمي الميزان”، … “أنا لا أصدق”…. و”أنا جوادك”، تلكم سلاسل أنانية تنتهي في ختام النص إلى دريئة تُصوب نحوها بندقية وينتهي كل شي، ولكن ماذا يعني ذلك؟ الجواب: مهما تعالت الذاتية وتعاظمت فلا خلاص فردياً في ضوء الفكرة المركزية التي نذر هواري نفسه لها وهي الفرودوس المفقود.. البندقية تمثل سلسلة جينية في شعر صالح هواري، وهي ذات رأسين.. توجه عنك إلى عدو كامن في الذاكرة.. وتوجه إليك؛ لأنك عدو بذاتيتك وصديق في آن، هذا هو التناقض الذي غزله هواري وصهره في الذاتية المقصودة، وهو يتحرك في أتون هم عام تبثق منه ذاتية متمردة، ولتشخص العين ولكن أمام المخرز، ولات حين خلاص، والتحدي الذي بيديه دائماً في شعره، يتمثل برؤوس البنادق فهي أشفى للغيظ..
**
أنا في انتظارك تحت ظل قصيدتي
هل أنت أيضاً في انتظاري
هذا الفراق المرّ لا هو باختيارك أنت
لا هو باختيار
بالمناسبة الدفقة أو الجرعة الأولى في النص تحمل الخواص الجينية للنص عامة، والهواري، صاحب تكنيك شعري يستحيل علامة أسلوبية فارقة لشعره كله، ويستحكم في تكنيكه القصيدة ثلاثة عناصر جوهرية..
الأول: التكثيف المعتدل دون بلوغ الضغط العالي على العبارة الشعرية، لذلك تراه انسيابياً في اللغة رقراقاً في التراكيب قليل التوتر نادر الانفعال مفضلاً الأصوات الهادئة، وقليلاً ما نسمع له ضجيجاً في شعره، ولا حتى في أناشيده، لأنه ماهر في ضبط انفعالاته وبعيد عن الصخب والاضطراب والضجيج، وليس له حجر رحى واحد في شعره، سوى أيقونة البندقية التي أشبهت كل فلسطين، وأمل أهلها الواعد، كما أن شعره بلا صفير، وإذا اضطره المقام لذكر الصاد وضع جعلها محصورة بين الضاد والظاء كما هو الحال. (أيضاً/ قصيدتي/ انتظارك والغاية هي خنق الصفير بالإيقاع، وبالمناسبة الضاد ليس حرفاً فريداً في العربية ولكن نطقها واضحٌ فيها، وما يميز العربية الظاء وليس الضاد.
يجترح الهواري الأناشيد المترعة بالحماسة، تلك القوة كامنة في التركيب، وفي تقنية النظم، وفي التحكم بالإيقاع، كل كلمة له لها فم ينبعث منه صوت يترجح بين اللين والشدة، لكنه يقبض على ناصيتها بالتوزيع داخل التركيب..
***
ثم قرأ الشاعر صالح هواري مجموعة من قصائده منها نقتبس:
ما قاله الفينيق
صالح هواري
وبدعوةٍ من طائر الفينيق/ وخلال زوبعة من التصفيق
تمَّ افتتاح حديقة أزهارها/ من مرمرٍ وزبرجدٍ وعقيق
البابُ مكتوبٌ عليه: تفضَّلوا/ من دون أسئلة ولا تعليق
العاطلون عن الهوى لن يدخلوا/ ودخولهم صعبٌ بأيِّ طريق
لا يمنحُ الفينيق كرتَ زيارةٍ/ إلا لكل عشيقةٍ وعشيق..
***
دمي وليلي..
حملتك يا كنوزَ الشعر دهراً/ ولم تحصد يداي سوى القليل
يطيرُ بي المجازُ حصانَ برقٍ/ وتعرفُني الرياحُ من الصهيل
غموضي واضحٌ ويشفُّ عني/ ولا أصطادُ في عكرِ الوحول
وكم حاربتُ تكرارَ المعاني/ لأحظى بالإمارة بين جيلي
ومنهم: أنا بالعشق جهلاً/ على كبرٍ ويشهدُ لي نُحولي
وأنِّي في الهوى قمرٌ خجولٌ/ وهل أحلى من القمرِ الخجولِ
على أبواب من سرقوا بلادي/ ركوعي مستحيلُ المستحيل
نذرْتُ لعودتي الكبرى حياتي/ وللأقصى دمي الغالي دليلي
واختتمت الفعالية بشكر الحضور على اهتمامهم وموظبتهم لحضور ما يقام في فرع دمشق من فعاليات.

#سفير برس: ماجدة البدر

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *