إعلان
إعلان

(الحضور الفلسطيني) من النكبة إلى سيف القدس – الجزء الثاني. الدكتور محمد البحيصي – رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية :

#خاص سفيربرس

إعلان

بسم الله الرحمن الرحيم

ترسخت الهوية الفلسطينية من خلال الثورة الفلسطينية، ومن خلال تضحيات الشعب الفلسطيني العظيم الذي ضرب المثل الأعلى في عصيانه على الذوبان والتذويب.. الفلسطيني حافظ على هويته الفلسطينية القطرية في غياب مشروع وحدوي عربي يجمع كل الهويات في هوية جامعة مشتركة اسمها الهوية العربية، ولذا فإن الفلسطيني كان ينبغي أن يحافظ أيضاً على فلسطينيته كما يحافظ المصري على مصريته، والعراقي على عراقيته وهكذا.. وليس في هذا غضاضة. حافظ الفلسطيني على هويَّته وكل أشكال التذويب استطاع أن يجتازها، وكل الحروب التي خاضها، والمعارك التي خاضها، والمآسي والمجازر التي تعرَّض لها لم تزده إلا فلسطينية، وهكذا أفرزت هذه البيئة قوى فلسطينية مقاوِمة، هذه القوى الفلسطينية المقاوِمة أبت أن تسقط الراية؛ يعني حتى لو أن فريقاً فلسطينياً كبيراً أسقط راية المقاوَمة في لحظة ما، في لحظة غفلة أو جهل أو مساومة أو تفريط، إلا أن الشعب الفلسطيني لم يُسقِط الراية جملة بل حافظ على راية المقاوَمة، وأستطيع أن أقول: إنه منذ مئة عام أو مئة سنة والشعب الفلسطيني نعم تارة هذا الفريق يسقط ويتساقط في الطريق، ولكن الطريق لم يخلُ يوماً من المقاوِمين.. الطريق لم يخلُ يوماً من رايات المقاوَمة، ورأينا ذلك مثلاً في العام 2002 في اجتياح الضفة في عملية سماها الصهاينة “السور الواقي”.. اجتياح الضفة الغربية وصولاً إلى تحرير غزة 2005، والخروج الصهيوني المُذل من غزة، ومن ثم رأينا بعد ذلك تلك النهضة المقاوِمة في غزة التي باتت تمثل رمحاً صلباً من الفولاذ في خاصرة هذا الكيان الصهيوني، وحاول الصهاينة كسر هذا الرمح في أكثر من مرة منذ 2008 – 2009 – 2012 – 2014 إلى معركة سيف القدس 2021 قبل سنة من اليوم في رمضان قبل الفائت – كانت سيف القدس أشبه بمحصلة المعركة مع العدو؛ المعارك التي سبقتها الثلاثة حروب الكبيرة جاءت معركة سيف القدس 11 يوماً من المواجهة المستعرة بين المقاوِمين في الأرض المكشوفة التي تسمى غزة، مع هذا العدو المشحون والمدجج بكل أشكال الأسلحة والدعم من الخارج، ومن بعض الأعراب الذين تحدثتُ عنهم في أول الكلام الذين لهم مصلحة في بقاء إسرائيل.
استطاعت معركة سيف القدس أن تشكل علامة فاصلة وفارقة في تاريخ الصراع مع هذا العدو، وأن توحد الساحات الفلسطينية التي سعى العدو منذ نكبة الـ48 إلى تشتيتها، وإلى تقسيمها كما قسموا منطقتنا في بلاد الشام والمنطقة العربية ولم يكتفوا بهذا بل قسموا حتى الساحة الفلسطينية؛ لأنهم يدركون أن قسمة هذه الساحة هي أحد أهم أوراق القوة بيدهم، وأحد أهم أوراق الضعف عند الفلسطيني. استطاعت معركة سيف القدس أن توحد الساحات.. استطاعت أن توحد مشاعر الأمة مع الفلسطينيين، وأن تُخرس كل الألسنة التي كانت تنعق بأن الفلسطيني مُفرِّط، أو أن الفلسطيني مستسلم لقدره مع هذا الصهيوني، ثم وحدت كل أحرار العالم مع القضية الفلسطينية.. القضية التي أُريد لها أن تُدفَن في أدراج النسيان بفعل ما أحدثه هذا الغرب المجرم وعملائه في بلادنا مما سُمي بـ “ثورات الربيع العربي”، والتي دفعت بالقضية الفلسطينية إلى السحيق من حيث موقعها من الناس بعد أن كانت في الظاهر على الأقل قضية الأمة المركزية. معركة سيف القدس أعادت القضية الفلسطينية إلى رأس سلم أولويات شعوب هذه الأمة، وأعادت الاعتبار للإنسان الفلسطيني، والاحترام لهذا الإنسان المقاوِم الذي لم يسقط أمام الترغيب ولا الترهيب، وهكذا نستطيع أن نقول: إنه منذ سيف القدس وكأن الشعب الفلسطيني في هذه المعركة أخذ حقنة أو مصل للمقاومة، مصل للوحدة، مصل للصمود، ومنذ سيف القدس إلى الآن رأينا تغيراً ملحوظاً في السلوك الفلسطيني المقاوِم، وهذا بالتأكيد من تلك الروح التي بثتها معركة سيف القدس.
مَن كان يتصور أن إخواننا في الثمانية وأربعين يكون لهم هذه المواقف العظيمة لدرجة أن العمليات الأخيرة أغلبها من شباب الـ48 وفي داخل الـ48، مَن كان يعتقد أن الضفة التي مورس عليها كل أشكال تزييف الوعي وكي الوعي، ومحاولة خلق إنسان فلسطيني جديد قابل للتعايش مع اليهود والاستيطان، والمشروع الإحلالي الإسرائيلي، والسلام الاقتصادي، وكل هذه العناوين.. اليوم نرى جنين وكأنها عصية على هذا الإسرائيلي وتقدم كل يوم بطولات. مَن كان يعتقد أن هذا الإسرائيلي يتخبط إلى الحد الذي رأيناه عندما قتلوا الصحفية شيرين أبو عاقلة؛ يعني ما فعله شرطة وجيش وأمن العدو مع جنازتها، ومع تابوتها المسجاة فيه لا يدل على أن هناك كيان قوي أو دولة قوية.. يدل على أنها عصابة هذا سلوك عصابة وليس سلوك دولة؛ جنود مدججون يهاجمون جثة نعشاً، هل هذا دليل على قوة إسرائيل؟ هل هذه إسرائيل التي قيل لنا إنها لا تقهر؟ بالتالي سيف القدس كانت محطة ليس بالشعارات – محطة واقعية عملية رأيناها رأي العين، ولمسناها لمس اليد أحدثت تحولاً كبيراً في نفسية الإنسان الفلسطيني، ورفعت من منسوب استعداده للتضحية، وأن المقاوَمة جدواها مهمة، ومفيدة، ومستمرة، وباقية، كما أنها زودت حلفاءنا في محور المقاوَمة بزاد جديد من الثقة في هذا الشعب الفلسطيني. أيضاً بعض الناس ربما شككوا هنا وهناك في لحظات ما كانوا يشككون.. لا هي أعطت هذا المحور زاداً جديداً لإعادة البهاء لصورة الفلسطيني الذي لا يُقهر أو لا يُهزم، وليس اليهودي أو الإسرائيلي الذي لا يُهزم، ووضعت أيضاً المحور أمام مسؤولياته في دعم هذا الشعب كونه يراهن على هذا الشعب معنى ذلك أن عليه استحقاقات أن يدعم رهانه هذا، وألّا يترك هذا الشعب فريسة هذا الاحتلال المجنون؛ من هنا تأتي أهمية معركة سيف القدس.
وإذا أردنا أن نصل خيطاً ما بين النكبة إلى معركة سيف القدس فإن هذا الخيط حتماً سيكون ملون بلون الدم؛ لأن هذا الدم هو الذي وحَّد الشعب الفلسطيني، وسقى وروى شجرة بقائه، وشجرة كينونته السياسية وهويته بحيث باتت كلمة فلسطيني هي المعادل الموضوعي للصبر، للمقاومة، للعزة، للكرامة، للتحدي، للثبات على الحقوق.. هذا الخيط الممتد ما بين النكبة إلى سيف القدس إذا قرأناه بتجرد سنكتشف أن هذا الجيل الفلسطيني -وهو الجيل الرابع بعد النكبة- لا أبالغ إن قلت: إنه جيل التحرير، وإذا كان جيل ما قبل أربعة أجيال جيل النكبة وجيل الخروج، فهذا الجيل هو جيل العودة إن شاء الله.

#خاص سفيربرس  

رابط الجزء الأول: 

 

https://www.safirpress.net/2022/06/03/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%83%D8%A8%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%B3%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%82/

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *