إعلان
إعلان

الوجود التاريخي والأحقية الدينية للصهاينة في فلسطين: بقلم _الأستاذة الباحثة: جُمانة صالح

#سفير_برس

إعلان

مقدمة تاريخية عن السكان الأصليين في فلسطين: 

ـ سكن العرب الكنعانيون فلسطين منذ عصور ما قبل التاريخ، وقاموا باستصلاح الأراضي الزراعية، وبناء المنازل والقلاع والمعابد الدينية التي وجد الآثاريون بقاياها ممهورة بأختام الكنعانيين ورموزهم وشاراتهم الدينية والسياسية، ولقد وصلت الحياة المدنية والسياسية لدى الكنعانيين إلى أوجها من خلال تأسيس دويلات المدن التي كانت تعد أكبر مثالاً على التحضر والتطور السياسي والذي اقتبسه الإغريقيون من الفينيقيين “كنعاني الساحل” أثناء احتكاكهم بحضارة الكنعانيين. ومن أولى وأقدم المدن الكنعانية مدينة أريحا “أريحو” في الضفة الغربية التي يرجع تاريخها إلى العصر الحجري الذي يعود إلى ما قبل عشرة آلاف عام قبل الميلاد.

كان التطور الكنعاني محط أطماع الغزاة منذ الأزل فتعرضت فلسطين للاحتلال بين الفينة والأخرى من قبل الرومان والفرس واليونان والسلوقيين والصليبيين في ظل وجود عربي كنعاني مستمر حتى اليوم، فالوجود العربي لم ينقطع في فلسطين بتاتاً منذ استقرارهم في فلسطين على عكس الوجود اليهودي الذي ظهر خلال فترة معينة من الزمن والذي يرجح أن يعود على عام 1460 قبل الميلاد حسب رواية التوراة وكانت نسبتهم قليلة جداً مقارنة ببقية الكنعانيين وهنا نقول مصطلح “بقية الكنعانيين” لأننا نجزم أن اليهود العرب في فلسطين “بني إسرائيل” هم جزء من الشعب الكنعاني حيث قطن الشعب الكنعاني في فلسطين، ولقب حسب المنطقة التي سكن بها فهناك: كنعاني الساحل الذي عرفوا بالفينيقيين ومارسوا الملاحة والتجارة البحرية، وكنعاني الداخل الذين عرفوا بالكنعانيين، إضافةً إلى قبائل البلست “الفلست” وهو الجنس الذي يُعرف بشعوب البحر القادمة من جزر البحر المتوسط والتي قطنت في جنوب فلسطين عام 1191 ق.م تقريباً واختلطت بالكنعانيين وأعطت اسمها لاحقاً لكامل الأرض المقدسة التي سميت بفلسطين.

الوجود التاريخي لليهود في فلسطين:

ـ لطالما يحاول اليهود إثبات وجودهم التاريخي في فلسطين من خلال محاولة ربط الدين بالسياسية لكسب عواطف اليهود في أنحاء العالم بالادعاء بوجود هيكل النبي سليمان مكان المسجد الأقصى في محاولة لهدم مسجد المسلمين على الرغم من نفي علم الآثار وجود أي دلائل لليهود في المنطقة. وسنعود في التاريخ إلى الوراء لأسرد قصة وجود بني إسرائيل في المنطقة وكيفية مجيئهم إليها:

من المعروف أن إسرائيل هو النبي يعقوب حسب الديانات الإبراهيمية والتي أشير إليه صراحةً في التوراة والإنجيل وأشير إليه في القرآن الكريم بنسب العائلة وليس كاسم. وحسب اللغة العبرية “الكنعانية القديمة” أن كلمة إسرائيل تعني عبد الله فكلمة إسر= تعني عبد وإيل = الله. وهنا يدعي الصهاينة المعاصرين نسبهم إلى سلالة إسرائيل “يعقوب” عليه السلام كحال أي لقيط ينسب نفسه إلى سلالة طاهرة لستر وصمة عاره بسرقة التاريخ والأرض والنسب والهوية الشريفة.

هاجر النبي إبراهيم عليه السلام من “أور” في العراق إلى بلاد الشام ووصل إلى فلسطين وأنجب فيها ذريته إسحاق ويعقوب عليهما السلام، ثم أنجب يعقوب ابنه يوسف عليه السلام وإخوته الأسباط حيث رحل بهم إلى مصر بعد أن أصاب فلسطين القحط والجفاف التي كانت تُصاب بها بين الحين والآخر. بقي بنو إسرائيل في مصر ما يقارب مائتي عام عانوا خلالها الكثير من اضطهاد الفراعنة الذين علموا عن طريق سحرتهم بولادة نبي من آل إسرائيل وهو موسى عليه السلام الذي أمره الرب بالعودة إلى فلسطين والهرب من الطاغية فرعون حيث استطاع النبي موسى الخروج من مصر لكنه لم يستطع دخول الأرض المقدسة “فلسطين: بسبب خوف بني إسرائيل من قتال الكنعانيين في مدنهم المحصنة ورفضهم الحرب فتاهوا في صحراء سيناء أربعين عاماً حتى بعث الله فيهم يوشع بن نون الذي أمرهم بدخول فلسطين وأقاموا فيها ممالك إسرائيلية “كنعانية” في زمن النبي داود وسليمان وعاشوا فيها بترف وازدهار، ثم ارتدوا فيها عن دينهم الحقيقي بتحريفهم التوراة، فبعث الله لهم النبي عيسى الذي جهد في دعوة قومه من بني إسرائيل حتى أرادوا قتله كما قتلوا إخوته من الأنبياء فنجاه الله منهم وأنزل عليهم الغضب والسخط الذي ذكره الله تعالى في القرآن الكريم في سورة الأعراف/ 167: “وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم”. وبناءً عليه فالأرض المقدسة يمنحها الله لعباده الصالحين وهذا ما حدث عندما منح الله هذه الأرض لعباده المسلمين. ومن حكمة الله في تأكيد هذا الحق الإلهي المشروع عندما أسرى بالنبي محمد من مكة المكرمة إلى القدس الشريفة في فلسطين ليصلي بها إماماً، وكان ذلك إيذاناً بانتقال الزعامة الدينية من اليهود إلى المسلمين.

الادعاء الديني بأحقيتهم في الأرض المقدسة:
ـ يزعم اليهود الصهاينة المعاصرين بأحقيتهم في الأرض المقدسة التي وعد بها الرب النبي إبراهيم عليه السلام حينما قال له في التوراة: “لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات”. سفر التكوين 15/18
وبناءً على ذلك نبين الحقائق التالية:
1ـ إن الوعد الإلهي كان للنبي إبراهيم عليه السلام وذريته في كل من إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، وعليه فالوعد يشمل ذرية إسماعيل وذرية إسحاق. وإذا كان اليهود متشددين في هذا الموضوع بنسب الحق لإسحاق دون إسماعيل فنحن أيضاً سنرد عليهم بمستوى عقولهم بالقول: إن إسماعيل أحق من إسحاق بهذا الوعد كونه الولد الأول للنبي إبراهيم وهو أحق من غيره كونه الابن البكر الذي ولد قبل إسحاق بأربعة عشر عاماً، ومن المعلوم أن الزعامة الدينية والاجتماعية تكون دائماً للابن الأكبر.
2ـ إن الوعد الإلهي بامتلاك الأرض المقدسة يستحقه ذرية النبي إبراهيم من بني إسرائيل الكنعانيين الأصليين وليسوا يهود اليوم الذين لا ينتسبون إلى بني إسرائيل القدماء وإنما تعود أصولهم إلى أوروبا وأميركا وآسيا، وجلهم من يهود الخزر الذين لا يمتون بصلةٍ لا إلى الكنعانيين ولا إلى بني إسرائيل إذا كان ولا بد من الفصل بينهما كما يفعل الصهاينة وبعض المؤرخين لأهداف سياسية بحتة رغم أن بني إسرائيل هم جزء من الشعب الكنعاني. ولا بد من الإشارة هنا أنه إن كان للصهاينة حقُ تاريخي فأولى لهم أن يطالبوا به في مملكة الخزر* وليست بفلسطين التي لم يروها حتى في أحلامهم.
3ـ إن الوعد الإلهي لا يشمل اليهود عامةً وإنما يشمل يهود بني إسرائيل حصراً ممن هم من ذرية النبي إبراهيم عليه السلام، وبذلك فهو يشمل اليهود العرب الكنعانيين أصحاب الأرض الحقيقيين وليس يهود العالم أجمع.
4ـ إن الوعد الإلهي يشمل المسلمين من بني إسرائيل كدين سماوي إبراهيمي ولا يشمل اليهود كشريعة يهودية بحتة حُرفت فيما بعد بما يناسب أهداف الحاخامات وكبار القادة، فالنبي إبراهيم عليه السلام كان مسلماً كدين سماوي ولم يكن يهودياً حسب الشريعة اليهودية الحالية، وأصدق دليلٍ على ذلك ما جاء في القرآن الكريم: “ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين” آل عمران/ 67
5ـ إن الوعد الإلهي يشترط بالإيمان الخالص والعمل الصالح المذكور في الديانات السماوية، وهذا لا يشمل اليهود الحاليين من لقطاء الخزر وأوروبا وأميركا والهند وإفريقيا الذين ينتسبون للحركة الصهيونية الموسومة بالعنصرية والتوسعية والعدوانية. وهذا ما نراه من خلال معارضة اليهود الملتزمين بالدين اليهودي الحقيقي وهم قلة قليلة للحركة الصهيونية السياسية المتشددة التي تمارس العنف والقتل والاضطهاد في الأرض المقدسة وما يجاورها من بلدان عربية أخرى، وتستخدم الدين لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية بحتة لصالحها.
6ـ نحن كمسلمون لا نسلم بصحة ما جاء في التوراة لا سيما بعدما حُرفت ودُس فيها الكثير من الروايات الإسرائيلية الكاذبة التي تسعى لتحقيق أهداف شخصية وسياسية، وأثبت ذلك من خلال جرأة حاخامات اليهود على الله عز وجل في كتابهم وجرأتهم على الأنبياء في وصفهم بألقاب وأفعال لا تليق بالأنبياء ولا يصدقها العقل، وإن كان البعض يُسلم بها كدليل وثائقي فقط فنحن لا نسلم بالتفسير اليهودي التعسفي الذي يفسرها بناءً على هواه ومصالحه دون دلائل وبراهين مثبتة.
وفي الخاتمة: إن مزاعم اليهود بأحقيتهم الدينية والتاريخية في الأرض المقدسة لا يثير الغضب، وإنما ما يثير الغضب والرعب هو تأثر بعض الأعراب والمتأسلمين بتلك الروايات الخرافية ومحاولة الدفاع عنهم والتطبيع مع كيانهم المصطنع على حساب الشعب العربي الفلسطيني الذي يناضل على كل الجهات وفي جميع الساحات منذ زمن، ناهيك عن وصف البعض اليهود بأنهم ورثة الأنبياء مع أنهم لا علاقة لهم لا بالأنبياء ولا بالديانات السماوية ولا بالأرض التي سرقوها من شعبها العربي الحقيقي فورثة الأنبياء لا تُحصر بدين معين أو ملة محددة وإنما يشترط بها العمل الصالح والإيمان الخالص.
ومن واجب النخب الفكرية نشر الثقافة الدينية والعلمية لأجيالنا الذين يتعرضون للغزو الفكري الذي يعد من أشرس أنواع الغزو والذي يستهدف إفراغ التاريخ وتهميشه كوسيلة للسيطرة على أراضيهم واقتصادهم وعقولهم ونفوسهم؛ لذا وجب تحصين الأبناء والأجيال القادمة بتعليمهم تاريخهم وتراثهم وفكرهم ومعتقداتهم الغنية بالقيم والأخلاق الحميدة.

هوامش:
*مملكة الخزر: تقع جنوب روسيا، يدين سكانها باليهودية التي اعتنقوها في القرن السابع ميلادي واستمرت المملكة بعاصمتها (إتل) لمدة قرنين من الزمن حتى سقطت على يد أمراء روسيا عام 964م.

#سفير_برس _ بقلم الأستاذة الباحثة: جُمانة صالح

سفيربرس ـ جمانة محمود الصالح
إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *