إعلان
إعلان

سمير يغتال الوزير : بقلم محمود أحمد الجدوع

إعلان

خرج سمير من بيته مسرعاً على غير عادته , بعد الاتصال الهاتفي الذي تلقاه فجأة , كانت العاشرة ليلاً , سمير من أكثر الناس دقة وانضباطاً بالمواعيد, كل من حوله يغبطه والبعض يحسده على هذه الدقة وهذا التزام , ولكنه لم يسبق وإن خرج من منزله بعد عودته من عمله في الخامسة مساء ,ركب سيارته واتجه مسرعاً إلى المطار , وتفادياً للازدحام المروري سلك الطريق الدائري السريع الذي يؤدي إلى مطار العاصمة هرباً من زحمة السير في المنافذ الأخرى, كان الفصل شتاء ولم يبقَ على نهاية العام سوى ثلاثة أيام, ولا يدري سمير أن هذه الأيام الثلاثة سوف تكون مصيرية وحاسمة في حياته الملبدة كسماء ذلك المساء بغيوم سوداء تكاد من كثافتها تلامس قمم الأشجار والأبنية على جانبي الطريق .

ذهب سمير لاستقبال سعادة الوزير الذي رافقه مثل ظله على مدار خمسة عشر عاماً ويعرف عنه الشاردة والواردة ومستودع لأسراره وأخباره … سعادة الوزير الذي قطع إجازته التي كان من المفترض أن تنتهي بعد أسبوع, ولكن أمراً ما أو خطب جلل حصل يومها حتى تم قطع الإجازة والعودة بهذه العجالة !!

وعلى طول الطريق المؤدية للمطار والذي يمتد نحو ثلاثين كيلومتر, كانت تراوده هواجس غريبة ومريبة لم يعتد عليها من قبل, استعاذ بالله من الشيطان أكثر من مرة ولكنها لم تفارقه !!! ؟؟ .

فتح النوافذ أكثر من مره , لعل نسمات الهواء الباردة في الخارج تداعب وجنتيه وتخرجه من هذه الهواجس , كذلك دون جدوى !!! .؟؟ .

فتح المذياع بشكل اعتباطي لعله يسمع شيء ما يخرجه من هذا القلق والتوتر الذي بدأ يتزايد فجأة ومن دون مبرر, كانت نجاة الصغيرة تغني على المحطة التي أختارها ” القريب منك بعيد والبعيد عنك قريب , كل ده وقلب اللي حبّك لسىّ بيسميك حبيب ” سرح سمير بكلمات الأغنية واندمج معها وراح يغني بصوت عالٍ مع صوت نجاة المفعم بالحميمية والدفء وشعر حينها بنوع من الراحة تتسلل إلى عقله بعد قلبه .

فجأة قُطع الإرسال , وخرج صوت جهوري لأحد المذيعين ” خبرعاجل” جاءنا الخبر التالي : قدمت الحكومة استقالتها وقد تم قبولها وكلف ” أبو رعد” بتشكيل الحكومة الجديدة خلال شهر من تاريخه , فرح سمير كثيرا بهذا النبأ وطار عنه غبار الهم والتعب وانزاحت الهواجس ومن شدة فرحته ضاعف السرعة كي يسابق الزمن و يصل بأقصر زمن ممكن للمطار .

لم يبق سوى ثلاث كيلو مترات وثلاث دقائق تفصله عن المطار ومن شدة الفرحة والسرعة انفجرت إحدى العجلات الأمامية للسيارة و راحت تنزلق ذات اليمين والشمال حتى أصدمت بالجدار المنصف في مدخل المطار, وقد شاءت رحمة الله وعنايته أن تنقذه وبأعجوبة من موت محتم .

اختلطت هنا الصدمة والفرحة والذهول في وجدان سمير الذي عقد لسانه عن الكلام ولم يعد يدري ماذا يفعل , احتشد مجموعة من المارين و المتواجدين حوله وأخرجوه من السيارة التي أصبحت هيكل بعد هيبة , بحث عن هاتفه الخليوي فلم يجده أظنه تحطم وتلاشى كأحلامه من شدة الصدمة , طلب من أحد المتواجدين أن يتصل على رقمه وجاء الرد مغلق أو خارج نطاق التغطية !!!.

عادت نفس الهواجس تراوده مرة أخرى وبتواتر أعلى و كان جل همه وتفكيره بسعادة الوزير عفواً بدولة رئيس الحكومة المكلف .

حاول الجري باتجاه بوابة القادمين التي لم يعد يفصله عنها بضعة أمتار, ولكنه لم يستطع لأن قدميه عاجزتان عن مساعدته على الحركة فازداد قلقه وتوتره أكثر فأكثر, فجأة سمع صوتين متشابهين متناقضين !!؟؟ .

الأول صوت سيارة مراسم … ويو. ويو . ويو..

والثاني صوت سيارة إسعاف … ويوويوويوويو!!؟؟ . وهنا خر مغشي عليه .

في صباح اليوم التالي استيقظ سمير ووجد نفسه مكبل على سرير في إحدى مشافي العاصمة , محاط برجال الأمن والصحافة وصوره على شاشات محطات الأخبار العاجلة !!؟؟ .

سمير أصبح متهم بمحاولة اغتيال رئيس الحكومة الجديد بالتواطئ مع رئيس الحكومة السابق ورؤساء الأجهزة الأمنية وبالتآمر مع جهات أجنبية خارجية لاغتيال ” أبو رعد ” .

وكذلك زينت صوره الصفحات الأولى من الصحف جنباً إلى جنب مع ” أبو رعد ” الذي كان أول قراراً له وقبل تشكيل حكومته واستلامه زمام الأمور إلقاء القبض على سمير وطرده من عمله وإحالته والمتهمين إلى لجنة تحقيق دولية للتحقيق في محاولة اغتيال رئيس الحكومة !!!؟؟؟..

سمير أيها التعيس حالك ليس بأحسن حال ممن رافق أبو بهاء وتم اعتقالهم وأهانتهم وسجنهم على ذنب لم يقترفوه.

حمد الله لأنه لم يتزوج وليس لديه أخوة ولا عائلة يعتصرون معه مرارة المعاناة كما عانى غيره .

سمير أمثالك من الأوفياء لا مكانة لهم مع بعض الزعماء , لعنة الله على السياسة والمناصب حيث لا مكان للأوفياء بينهم.

ألم تعلم أيها “المسكين” أننا نعيش في عالم أحداثه , أمّا مزوره أو مفبركه ومركبه , والباقي قضاء وقدر, وبالنتيجة نحن ضحايا أنفسنا المتعبة وطموحاتنا التي بلا حدود ؟!.

بقلم: محمود أحمد الجدوع

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *