إعلان
إعلان

وفاء شربتجي: وحدَه الحبُّ من يوحِّدُ ذاتي، ويفجِّرُ بوحي! .بقلم : بيانكا ماضّية

سفيريرس

إعلان

الحروفُ طريقُها إلى الذات، وفي الوقتِ نفسِه إلى العبورِ نحو الآخر، شاعرةٌ مرهفةُ الإحساس، تكتبُ بدفقِ مشاعرِها الفيّاضةِ بعبقِ الشعر. تتلمّس الوجعَ والأنينَ لتصهرهما حباً يعرّشُ على جدرانِ قلبها. ورغمَ جراح الوطن تشدو حروفُها بالحبِّ والأمل. فالقصيدة موهبةٌ ذاتيةٌ تتفجّرُ حين اعتمالِها في النفس, وهي تجربةٌ حياتيةٌّ واستشرافٌ لمستقبل. هي استبصارٌ وتأملاتٌ عميقة في حقلي الذات والموضوع ..

وفاء شربتجي ابنةُ حلب، الشاعرةُ التي بدأت مع نزار قباني شاعرِنا الدمشقي الهوى، لابدَّ من أن تكون لحروفهِ تأثيرٌ في المرأة الشاعرة بالفطرة، ليس في نظم الشعر وحسب، وإنما في ثورته على المجتمع الذكوريّ، وفي شقِّه طريقَ الخلاصِ للمرأة، فثارتْ وكتبتْ وأشارتْ إلى هذا الشرقِ الممزّقِ بعاداتِه وتقاليدِه البالية.
تمنحُنا بحروفِها عذوبةً، وتدهشُنا في التقاطِها الصورَ الشعريةَ المبتكرة، تكتب الشعرَ بذائقتِها الأدبية وبملامحِ السحرِ الأنثويّ السوري، تقفزُ فوقَ أوداجِ الظلامِ حاملةً سراجَ الإبداعِ في زمنِ الحربِ وخرابِ النفوسِ وتخلّف العقول.

الشعر والبدايات
لكلِّ مبدعٍ بدايةٌ، نقطةُ تحوّل، مفترقُ طرق. فكيف كانت بداية الشاعرة وفاء شربتجي مع الشعر؟! وما كان دافعها!! وماهي المواضيع التي جذبتها للكاتبة فيها؟!
توقفت بداية عند تعريفها للشعر، لتقول:
“الشعر هو الذي يكتبني، هو من أدخلني لمدارات وكواكب الوجدان. الشعر هو وجداننا المحلّق نحو الذات. هو فيض نبض حروفي، هو ولادتي الجديدة. هو محور كالمحاور الإنسانية التي نبحر داخلها ونسكن تفاصيلها، نعيشها، أو ربما نقرأ ونحس نبض الآخرين. الشعر هو رتق جروحنا، ونمنماتُ أحاسيسٍ فاضت ذات مساء. هو تفريغٌ لذواتنا الممهورة بالفرح والألم، وحين تفيضُ الكلمات بوح العبور أُطلقُ لها العنان؛ لتسافر مع جدائل الريح، أو لتحطّ فراشة حنين.
بدايتي مع الشعر حين برعم عمري على الثالثة عشر، وأول ما كتبت كان قصائد وجدانية أحاكي فيها شاعري المُفضّل المسكون بالشوق والعشق، الدمشقي ” نزار قباني” شدّتني كلماتهُ، نبرته العاطفية، الثورية، وعشقه للوطن. جلّ مواضيعه كانت شيّقة، غنية، عفوية، قريبة من العقل والقلب. كتب القباني قصيدته النزقة:
ثوري أُحبكِ أن تثوري ..
ثوري على شرقٍ يراك وليمةً فوقَ السريرِ ..!!
كم هو مبدعٌ شاعرٌ تخطى كل زمان أو مكان، لبس قميص الوجع الأنثوي، ونادى جميع النساء أن يثرن ضدَّ كل الأعراف والتقاليد البالية. لقد تقمصني اللقاء به في سن المراهقة، فكتبت له وأخفيت ما كتبت. كنت حينها لا أدري أني أكتب الشعر أم الشعر يكتبني! كانت كلماتي خجولة البوح والحضور، لكن النزق الشعري لم يتركني في جميع مراحل عمري ..لا أنكر أن الحب هو من يحرك أحاسيسنا، يهذّبها، ينقّيها، ينقلنا إلى عالم الصدق والطهر والصفاء، يدفعنا للحياة بكل قوة عاشقٍ”.
تستكمل الحديث عن بداياتها الشعرية، وتقول: “بعد أن خبأتُ ما كتبت حصيلة سنواتٍ طوالٍ، أحببتُ أن أجمعهم في ديوانٍ لي، فكان إصداري الأول عام 2004 تحت عنوان “صمت داخل صرخات” ثم تتالت دواويني تباعاً: “عفواً وبلا تذمر” عام 2005 ، “وحدي” عام 2006، “حب وعتب” عام 2008، قصة تحت عنوان “و رَحَلَتْ “عام 2010 ، “سورية عشقي” عام 2011. وقد تُرجمَتْ بعض أعمالي إلى اللغة الفارسية. كما كتبتُ قبل الحرب وبعدها مقالات عديدة ضمن صفحتي المجتمع والثقافة في صحيفة الجماهير، ما منحني صفة صحفيّة مشاركة”.
تجربة إذاعيّة
ولم يكن لوفاء الشاعرة نشاطُها الأدبيُّ وحسب، فقبل الحرب كان لها برنامج ثقافي عبر إحدى الإذاعات، عن هذه التجربة وما أضافته إلى شخصيتها؟! وعن التجارب الإعلامية الأخرى، تقول:
“حكاية وفا” برنامج إذاعي من إعدادي وتقديمي، يتناول البرنامج أربعة محاور، عن الحب، الفراق والهجر، احكي يا شهرزاد، وعن الوطن. كانت تجربة مميزة أحسستُ بها بتفاعلٍ مع الآخر، كممثلٍ يعتلي خشبة المسرح، فيكون تواصلهُ أقرب إلى الناس. إنَّ أي لقاء تلفزيوني، أو صعود إلى المنبر يُضيف لنا، يمنحنا فرصة العبور لعمق ذواتنا.

مصادر الإلهام
الحب، الطبيعة، الوحدة، الموسيقا، المدن، الفرح، الحزن.. إلـخ، هي مصادر إلهام للشعراء، فأيّها تلهم الشاعرة وفاء شربتجي أكثر؟! تقول حول هذا الإلهام:
“الحب هو من يجعلنا نعشق الموسيقا، هو من يجعل الطبيعة أجمل، يأخذنا لمدنٍ نسكنها أو لم نسكنها، يفجّرُ بداخلنا بالوناتٍ من الفرح، يدخلنا أحياناً مدن الحزن والصمت ..الحب هو موسيقا الذات، والمدن التي تعيشها روحك. الحب هو سكينتك مع الآخر”
تتابع: “لا أنكر أني أعشق السفر والبحر والطبيعة والموسيقا، لكن الحب وحده من يوحّدُ ذاتي، ويفجّر بوحي. أما عن الوحدة فأتعايش معها حين يسكنني الحزن، أتحايل عليها، أغلبها، وأحياناً تغلبني”.

رأي في المشهد الثقافي
وحين سألناها عن المشهد الثقافي والأدبي في سورية في المرحلة الراهنة، وخاصة في حلب، قالت:
“المشهد الثقافي جيد بمجمله في سورية. أما عن حلب، فهو نشط ولم يتوقف طيلة فترة الحرب رغم كل المخاطرة في الحضور. أما اليوم فهو يسير بخطى واثقة أكثر بسبب عودة الأمان والاستقرار للمدينة. نأمل بتكثيف التبادل الثقافي بين المحافظات، أو حتى خارج نطاق القطر”.

هل يمنح الشعر الأمل؟!
ولكن كيف يمكن للشعر والأدب، والموسيقا والفن أن تخدم الناس والمجتمع وتشكل معاً صدى لأصواتهم في ظل الحرب والمآسي التي ألمّت بأهل سورية، وبالتالي هل تمنحهم الأمل والأمان؟!
تجيب الشاعرة وفاء:
“إن كل ما ذكرته كان له الدور الكبير بمصافحة الأمل، كل عمل مسرحي وطني جاد هو خطوة نحو الثبات والصمود والتصدّي.كل شعرٍ معطرٍ بأريج الوطن، هو تشبُّثٌ بترابهِ. كل نغمة موسيقية نتصالح بها مع ذواتنا، تدفعنا أيضاً للأمل” .

“سورية عشقي”
وماذا لو دخلنا عوالم ديوانها الأخير “سورية عشقي”، فما الذي سنجده على حافة قلبها وقلب قصائدها نحو هذا الوطن سورية؟!
تقول:
“أنا مسكونةٌ بالعشق. وعلى حافّةِ قلبي تضجُّ قصائدي بنزقِ حروفي وتراتيلِ صمتي. وعلى وسادةِ القلبِ يغفو وطني. لذلك أسميتُ ديواني الأخير “سورية عشقي” هي قصائدُ وجدانية متعددةُ النجوى، وحين يفيضُ بنا الوجد، نستذكرُ الوطنّ الساكنَ فينا، والمعرّشَ ياسميناً في وجدانِنا، والمنتصرَ حباً. فنحن حين نحبُّ نخاطرُ بكلِّ ما لدينا، فما بالك حين يكون المعشوق هو الوطن!
تتماهى فيه الروح لأبعد لحظاتِ التجلي، ليكون لنا السكن والسكينة وكلّ الحنان. سلام على وطنٍ انتصر على كلِّ الآلام، يعبقَ في صدورنا كضمّةِ قرنفلٍ أو فلٍّ .. أو كتسبيحةِ إله”!.

سفيربرس _بيانكا ماضيّة _الشهباء

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *