إعلان
إعلان

كتب الإعلامي نورس برو …من يوميات دفتر مريض بالحب و السرطان .

#سفيربرس

إعلان

– تم في يوم الأربعاء ١٢-٠٢-٢٠٢٠ تأكيد تشخيص إصابتي بأحد أنواع “سرطان الدم –اللوكيميا ” …

شعرت بالأعراض قبل شهر ونصف تقريباً دون أن أعيها ، أعراض لم نعيها جميعاً منذ ١٠ سنوات وحتى الآن …
فكنّا كتلك الكريات البيض المتكاثرة بسرعة في هذه البلاد ..
لم نع أعراضها :
لم نع الوهن العام والإرهاق المستمر في جسم البلد …
لم نع تضخم طحالها و كليتها …
لم نع إنسداد أهم أوردتها ..
لم نع تشنج خاصراتها الرخوة ..
ومشينا بها ومشى الخوف بنا غير آبهين بما مضى و بما سيأتي تماماً كما فعلت بجسدي المؤقت حاضراً …..
فمبروك عليّ وعليكم ….
جرحي أكبر من بلادٍ ب٣٤ سنة جميلات عشتها و سأكملها و أصغر من نحلة تحاول أن تجتاز السياج ..

– حاولت في السنين الأخيرة أن أعيش حياة صحية جداً من خلال الرياضة التي وصلت بها الى مراحل متقدمة ، النظام الغذائي ، عدم التدخين ، الخ …
وها أنا أصاب بالسرطان !
استمتعوا فالحياة تخبىء لكم ما لاتعرفون ..

– اليوم عيد الحب ، حياتي عاطفياً فارغة تنتظر ، فقط غمرني الأصدقاء ..

– في الصباح شاهدت فيلماً وثائقياُ عن حقبة حكم الشاه رضا بهلوي لإيران ، رضا كان تلميذ اتاتورك التركي باني الدولة العلمانية التركية الحديثة ، رضا مشى على خطى اتاتورك ……
إلا أن لسطوة الدين و التطرف كلام آخر في البلدين إضافة لمصالح الحلفاء من جهة البريطانيين …..
و هذا ما نلمسه اليوم في البلدين بإستثناء المسايرة التركية لأوربا العلمانية المدنية ..

– يقال بأن الملاعق الذهبية في قصر الإليزييه صنعت للتفريق بين التاريخ و البابا غنوج ..

– أذكر .. عندما كنت صغيراً أخذونا في رحلة مدرسية الى مدينة “تدمر” ، مررنا بجانب تمثال الملكة “زنوبيا” الحجري فأخذني ..
بينما كانت المرشدة السياحية تخبرنا عن تاريخ تلك الملكة العظيمة و على بعد خمسة عشر متراً عنها كنت مأخوذاً بجمالها ، بشكلها الأنثوي الطاغي ، الخصر المنحوت بعناية ، الصدر الممشوق ، الفخذين المتناسقين و المشددوين ، الخ …
لكنّي كنت كلما إقتربت منها متراً تلو المتر ، كنت ألاحظ أكثر فأكثر تلك التشققات الحجرية على جسدها الجميل من البعيد ، حتى إلتصقت بها تقريباً ، ليخرّب المنظر القريب المقابل الصورة العامّة و يظهر بشاعتها …..
هكذا هي العلاقة الواقعية بين طرفين في الحب ، تطور مع الزمن لتظهر تلك التشققات التي تقضي على الصورة الأولى ..

– الألم صديقٌ يأنْ ، إذا ما أنصتَّ إليهِ جيداً ..

– هامش على الطريق : كان ثوبها كسياجٍ من الأسلاك الشائكة ، يكفي لحماية الممتلكات ، لكنه لا يخفِ المنظر الجميل البديع ورائه ..

– فكرت يوماً بالرحيل ، فحطّ حسّون على يدها و نام …
“أمي” التي إستقبلت الخبر أمس بحيلة الشجعان و صبر المحاربين …

– ينهشني و أنهشه ، يفتك بي و أفتك به ، أتحايل عليه بفنون واستراتيجيات الحروب العظمى ، هكذا علمتني الأفلام الوثائقية حول الحرب العالمية الثانية ..
ويتحايل عليّ بأسلوب ميليشيات الشوارع ..
يطلق عليّ رصاصة ، فأطلق عليه وابلاً ..
يلجأ الى الأسلحة المحرمة دولياً ، فألجأ الى الكيماوي …
وكأننا طرفين في حالة حرب …
هو وجيشه من المرتزقة بكرياتهم البيض ، أنا وجيشي الأحمر و ما لدي من حلفاء “الهايدريا و الأمنيتيب و الكيماوي” …
قلت في نفسي : يموت الجنود مراراً ومن الطرفين و لا يعرفون من انتصر آخراً ..
و تهت في قلبي على باب الكنيسة ……

– من أمامي صوت الأوبرّا في غرفتي و صفير كشّاش الحمام في الأسطوح المقابل لي من خلفي ، هي تعطيه القرار فيرد عليها بالجواب …..
هي تنشد ما تعلمته خلال حياتها الدراسية من سوناتات الى نوطات و هو ينشد ما تعلمه خلال حياته الشعبية من صفير الى مصطلحات ….
القاسم المشترك ، طبقات الصوت العليا ..
الإختلاف الوحيد هو في الثقافات ….
مزيج أوبرالي سوريالي لا أتمناه لأعدائنا ….
النوم كان ضابط الإيقاع الوحيد في هذه الحالة ..!

– أصاب بالسرطان و لا يصاب ظلّي به ..
أتعكز به في الليالي المعتمة ، هل رأى أحدكم النور مؤخراً ؟!
ظلّي رفيقٌ يرشدني ، يوقظني من هذياني ، يحمل عبء ألمي ، و عبء الجرعة ….
ظلّي حدوة فرسٍ معلقة بمسمار واحدٍ ..
ظلّي صدى صوتي في الوادي العميق ….
ظلّي صدر أمٍ وأنا الرضيع ..
ظلّي كما حكومتنا “حكومة ظلٍ” لبلدٍ قدم مليون شهيد ….
ظلّي نعشي ، و مِزوَدُ الوليد …
ظلّي هو ظلّي يمسك يدي في هذا الطريق …

– في غرفة العناية المشددة ..
قاب قوسين أو أدنى من الزوال و الرحيل …
يقول لي الأطباء : نورس .. الأمر أصبح بيد الله …
و أرى السديم في المدى واسعاً و كأني نقطة ماء ، أدلفُ الى نفسي ، أتحلزن ، أتزوبع ، وأستيقظ من حلمي المتكرر لأرى البلاد في حالة الحجر الصحي ….!

– أكتب دائماً للحب , لدقات القلب , لرفاق الدرب , لبياض الأوراق , لسرطانٍ أخذ راحته في جسدي ككلام كثيرٍ لم يقال , أكتب للكلمات نفسها , لبسماتٍ “درويشة” غرقت في بحر من الدموع , أكتب لأولك العابرين مع نسمات الصيف , لأولئك المنهكون من رصاصات الحرب , أكتب لأمي التي كبرت عن العريشة , وأكتب لأغنية كنت أنوي إنهائها في كل صباح ..
أكتب جواب كلّ سؤال , أكتب لقتيلٍ ترك وراءه القتال عندما مرّت من جانبه رائحة البن ..
أكتب لمن لا يقرأون , وأكتب للذكريات , للأرصفة القديمة والممرات , لعيونٍ قالت كل شيءٍ إلا الكلمات …
أكتب لنفسي , و أُرجِع إليها ما أكتب من كلمات …..

#سفيربرس _ بقلم:  نورس برو

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *