قراءة في رواية “ولنا في الخيال حياة , حكاية جرح ” للكاتب الجريح عزّام أحمد

وطن مسوّر بالضوء المنهمر , مسيج برجال جُبلوا بماء الشغف وأديم الوفاء , فكانت ” ولنا في الخيال حياة ” كتاب برتبة ينبوع .
تبدو مهمة تقديم انطباعاً أو رأياً في منتج أدبي ممكنة بالنسبة لي ككاتبة , أما اليوم فتبدو المهمة صعبة لأننا أمام بطولات تقهر الحرب وترسم الغد المأمول .
كثيرة هي التساؤلات التي راودتني عند قراءة ” ولنا في الخيال حياة ” لأنها فتحت الأبواب الموصدة على جراح نبيلة عبر منتج أدبي رفيع المصداقية والجرأة والريادة في كتابة الأجناس الأدبية عبر سرد آسر ونثر متدفق كالشمس على الصخور الملساء .
حاولت أن أؤطره في جنس أدبي محدد , بدا ذلك عصيّاً , فحضرني سؤال آخر , هل يجب أن نؤطر الجمال ؟ أوليس الجمال كما الحبّ مبرر بذاته ؟ .
تجربة ثرية عابقة بالوطنية والانتماء , توثّق الحرب بكلّ أبعادها , تلك الحرب التي التهمت البشر والحجر والشجر وأحدثت هذا الدمار , فنكاد نسمع ضجيج المعارك بين الكلمات , ونرى الانفجارات في الأحداث وبين الحروف ,ونسمع دوي القذائف والصواريخ بين القصص المتعددة لجرحانا الأبطال , ونفرح لنجاتهم , نسعد لشفائهم ونرفع الأكفّ بالدعاء لهم بالسلامة الدائمة , ونقرأ الفاتحة لأرواح اختارت الجنان مسكناً وعرّجت لسماء بهية عند إله مقتدر .
تعدد الأصوات خلق حيوية للسرد وأبرز جماليات فنية , يًضاف لذلك البراعة في اختيار القصص ضمن وعاء زماني ومكاني يمتشق اللغة المعبرة تماماً , مما يدفعني للقول أن ” ولنا في الخيال حياة ” تحمل صياغة فنية متماسكة تحمل مقومات التجديد , وبطريقة ذكية يستطيع الكاتب أن يفتح عوالم الرؤى لنستطلع مدن الجراح وكوى المستقبل المنسوج من دماء أُريقت كرمى للسيدة المستقلة (سورية ).
مشهدية عالية تشي بعين الراصد للتفاصيل بلغة سهلة وبسيطة ونقل أمين للبطولات بحيوية تشي بها النقلات المدروسة بعناية بين الفصول وبين الحكايات في الفصل الواحد .
يستطيع الكاتب أن يشدّك لترافقه في مشواره المخضب بالجراح على هيئة سور منيع سيزهر ربيعه قريباً.
جاءت أغلب الفصول عابقة بالرمز , فالرمز أكثر امتلاء وأبلغ تأثيراً من الحقيقة الواقعية لما له من وظائف في البناء السردي واندفاع بالزمن للحدّ الأقصى حيث يعكف على اقتناص اللحظة الشعورية , فيسيل المضمون في بحر عميق الدلالة , وعبارات منسوجة بتمازج بين الحسي واللامادي , والانتقال من المألوف إلى قمة الانفعال , وهو بذلك ينتصر لإشراقة العبارة وتكثيف الالتقاط .
“ولنا في الخيال حياة ” ملحمة توثّق تداعيات الحرب عبر شخصيات اختارت الشمس ودوّنت عنوانها على جناحيّ نسر .
الكاتب العزيز عزّام وللمرة الثانية يكتب العقل بمداد القلب .
” ولنا في الخيال حياة ” كتاب يستحق شغف القراءة .

#سفيربرس _ الكاتبة: ضحى جهاد أحمد