إعلان
إعلان

ثنائية اللغة في التعليم واهميتها التربوية في ضوء تجارب عالمية. بقلم : عبد الله المجيدل 

#سفير_برس

إعلان

 يعود إدخال لغتين أو “ثنائية اللغة” في مدارس التعليم العام، إلى الرؤية التي تفيد بأن لغة المجموعة العرقية الرائدة هي أداة فريدة للتواصل بين الأعراق، وتشكل ضامناً لوحدة الهوية الوطنية، ووسيطاً رئيساً مع الثقافة العالمية، مثلاً: في روسيا الروسية وفي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى اللغة الإنجليزية، وفي فرنسا الفرنسية، وفي ألمانيا الألمانية، ويجري تنفيذ هذه الوظيفة في عدد من البلدان، من خلال اعتماد لغتين رسميتين أو أكثر، كما هو الحال في روسيا وبلجيكا، وكندا، وسويسرا، وغيرها.  ويعد التعليم ثنائي اللغة أحد أكثر الطرائق الواعدة للتعليم الفعال في كثير من البلدان التي تضم مجتمعات كبيرة متعددة اللغات، إذ تعتمد أنماط تعليم ثنائي اللغة وثلاثية اللغة وأكثر من ذلك في نظم التعليم في كل من: روسيا، وأستراليا، وبلجيكا، وكازاخستان، وكندا، والولايات المتحدة الأمريكية، وفنلندا، وسويسرا، وغيرها.

 

 وعند تقييم دور تعدد اللغات في التعليم، من الضروري أن نأخذ في الحسبان أن لدى كل مجموعة أثنية براغماتية محددة في الكلام، وأن القيم الاجتماعية والثقافية تنتقل من خلال طريقة التحدث، واستخدام بعض الأفعال الوسيطة، والعبارات التي تتوافق مع المعايير الأخلاقية السائدة لدى هذه المجموعة الأثنية أو تلك، ومن خلال التعليم ثنائي اللغة، يجري اكتساب كفايات التواصل بين الثقافات في فضاء متعدد اللغات ومتعدد الثقافات، ويمكن القول في هذا الصدد: بإن التوجه الثقافي للتعليم ثنائي اللغة له أهمية خاصة، إذ إنه لا يخدم التواصل اللغوي بين الثقافات فحسب، بل يقدم أيضاً طرائق تفكير الثقافات الفرعية الأخرى في المجتمع ومشاعرها وقيمها، كما يسهم التعليم ثنائي اللغة في تعزيز الاعتراف بالهويات الثقافية والعرقية في إطار التنوع، والانضمام إلى القيم الوطنية العامة والمشتركة، وبفضل هذا التعليم، ينشأ التواصل بين مختلف المجموعات العرقية واللغوية، وتُكتسب المعرفة اللغوية الإضافية بوصفها إحدى ضمانات تماسك المجتمع  وتفاعله ووحدته، في إطار حراكه وتنوعه.  

التعليم ثنائي اللغة في روسيا

 يحقق التعليم ثنائي اللغة في روسيا وعياً بالقيمة المتساوية للغة والثقافة الروسية مع لغات المجموعات العرقية الأخرى وثقافاتهم، وفي الوقت نفسه دون معرفة اللغة الروسية من المستحيل إتقان موضوعات من مثل: الرياضيات، والفيزياء، وعلم الأحياء، وهي مصطلحات غائبة فعلياً في اللغات الفرعية، وتتجلى وظيفة الحوار بين الثقافة الناطقة بالروسية والثقافات اللغوية لشعوب روسيا من خلال التعليم ثنائي اللغة في الاتحاد الروسي بطرائق متنوعة، فإضافة إلى مجموعات اللغات الأصلية الكبيرة، توجد في روسيا مجموعات خاصة من الشعوب الأصلية التي ضعفت الوظائف التكيفية والتنظيمية للغاتهم الأصلية وثقافاتهم التقليدية، وبعض هذه اللغات لا تكتب، كما أن شباب هذه المجموعات العرقية عملياً لا يعرفون لغتهم الأم، وفي ظل هذه الظروف يسهم التعليم ثنائي اللغة في الحفاظ على لغات وثقافات هذه المجموعات العرقية الصغيرة، وهكذا، في حالة التعليم ثنائي اللغة لمجموعات شعوب الشمال الروسي الصغيرة، ينبغي أن يؤخذ في الحسبان أن المجموعات التي تنتمي لثقافات أثنية لغاتها مكتوبة أقل نمواً، وينبغي مشاركتها في الحوار في سياق العملية التعليمية، ويجري تنفيذ مهام التعليم ثنائي اللغة في هذه الحالة على مراحل، فيتعلم أصحاب هذه الثقافات الفرعية في المرحلة الأولى بلغة الأقلية وثقافتها، أي لغة المجموعة العرقية الثقافية الغالبة، ما يثري في أنفسهم الشعور بقيمها الثقافية، ومن ثم يتقن حاملو الثقافة الفرعية لغة الأغلبية الروسية وثقافتها بشكل أعمق، ويبنون قيمهم الثقافية الخاصة، ولا سيما عند تعلم الكتابة والأدب باللغة الروسية، علاوة على ذلك، من المتوقع أن يوّلدوا قيماً ثقافيةً نوعيةً جديدةً، بما في ذلك الأدب بلغتهم الأم.

 يجري التعليم ثنائي اللغة “الروسية وغير الروسية” في المدارس الوطنية الروسية، وعدد التلاميذ الذين ينتمون لأقليات أثنية آخذ في الازدياد، إذ بلغت نسبة هذه المدارس 13% تقريباً من العدد الإجمالي لمؤسسات التعليم العام في أوائل التسعينيات، وفي عام 2011 بلغت نسبتها 45 %. ويمكن دراسة اللغة الأم في المدارس الوطنية بوصفها موضوعات منفصلة، وفي بعض الحالات تنفذ التدريبات والأنشطة باستخدامها، ومنذ عام 2011، اعتمدت دراسة 89 لغة من بين أكثر من 239 لغة ولهجة، في المدارس الوطنية الروسية، كما جرى توفير التدريس في 39 لغة من هذه اللغات المعتمدة، ويمكن للطالب الذي درس لغته الأم وأدبها الأصلي أن يستخدمها في موضوع أو نشاط يختاره، ولكن الاختبارات جميعها تكون باللغة الروسية بصورة إلزامية بوصفها لغة وطنية.

 وعلى سبيل المثال في جمهورية داغستان، يجري التدريس في المدارس الابتدائية بـ 14 لغة أم، ومن ثم يبدأ التدريس باللغة الروسية، وفي إنغوشيا، يكون التعليم في المدارس الوطنية باللغة الروسية وافتتاح صالات للألعاب الرياضية مع التعليم باللغة الإنغوشية، أما في مناطق الشمال، فتكون نماذج المدارس الوطنية من حيث لغة التدريس على النحو الآتي: يجري التعليم من الصف الأول إلى الصف التاسع باللغة الروسية بوصفها اللغة الأساسية للتعليم إضافة إلى اللغة الأم، إذ إن من الصعب تعليم سكان البلاد جميعهم التحدث باللغة الروسية، مع الحفاظ في الوقت نفسه على اللغات واللهجات الأخرى. وجاري البحث عن أسس تحسين أساليب التعليم ثنائي اللغة، وذلك من خلال تنظيم معسكرات لغوية خلال العطل.

وفي الحقيقة تظهر كثير من الأسئلة عند تنظيم التعليم ثنائي اللغة، والمتعلقة بتوزيع ساعات التدريس، والامتثال للطبيعة التطوعية لتعلّم اللغة، والعبء التعليمي الزائد على التلاميذ الذين يدرسون أكثر من لغتين أو ثلاث لغات، وكذلك فيما يتعلق بالمهارات اللغوية غير المتكافئة لأطفال المدارس، وما إلى ذلك. 

ويُواجه التعليم ثنائي اللغة كثيراً من الانتقادات، وسببها أن جودة تعلّم اللغة الروسية محققة فقط في المدارس الوطنية، والمؤسسات التعليمية التي تكون اللغة الأم لتلاميذ المدارس فيها اللغة الروسية. ويُلاحظ أن مستوى الكفاية في التعليم فيها مرتفعاً للغاية. أما لدى الكوريين والتتار، على سبيل المثال، فلديهم قلق ومشكلات تعليمية ناجمة عن تدني معرفة التلاميذ باللغة الروسية في تلك المدارس الوطنية التي يجري التدريس فيها بلغتهم الأم، وكثير منهم لا يستطيعون القراءة والكتابة باللغة الروسية. وفي هذه المدارس الوطنية، غالباً ما تهمل اللغة الروسية، ويجري التقليل من مكانتها.

التعليم ثنائي اللغة في الولايات المتحدة الأمريكية

 جاء انتشار التعليم ثنائي اللغة في الولايات المتحدة نتيجة لمجموعة من الأسباب التربوية والاجتماعية، بما في ذلك التوجه نحو تعزيز التواصل بين المجموعات الإثنية العرقية، وتنمية “القومية اللغوية” والرغبة في الحفاظ على الجذور الثقافية بمساعدة اللغة لفئات كثيرة من السكان، وعلى رأسهم المنحدرون من أمريكا اللاتينية والمهاجرون الآسيويون.

 وتنص قوانين الولايات المتحدة الأمريكية للأعوام 1967، 1968، 1974، على تعليم ثنائي اللغة بالإضافة إلى الدراسة الإلزامية باللغة الإنكليزية ومعرفة لغة الدولة، وجرت صياغة نظام التعليم الرسمي ثنائي اللغة على النحو الآتي: يمكن استخدام لغتين، إحداهما اللغة الإنجليزية، في تعليم مجموعة الطلاب نفسها في برنامج جيد التنظيم يغطي المنهج بأكمله أو جزءاً منه فقط، بما في ذلك تدريس التاريخ، والثقافة، واللغة الأم. وقد جرى تأكيد التعليم ثنائي اللغة في تشريعات اثنتين وعشرين ولاية. أما في ولاية هاواي، فاللغة الإنجليزية واللغة المحلية تعدان لغتي تعليم متساويتين، ويُدعم التعليم ثنائي اللغة من قبل الصناديق الفيدرالية وبرامجها، ومن بينها برامج خاصة، تنطوي على استخدام اللغة الأم في المدرسة، ويتلقى تلاميذ المدارس الذين لا يتحدثون اللغة الرسمية دروساً في اللغة الإنجليزية. ويجري التعليم أيضاً في المؤسسات التعليمية الخاصة باللغتين الإنجليزية ولغة الأقلية العرقية. وتؤسس فصول تدريسية يكون فيها التدريس باللغة الأم، وبالإنجليزية “العادية”، إضافة إلى الفصول المختلطة، تلك التي لا يواجه المتعلمون فيها صعوبات في التعلّم باللغة الإنجليزية، وتنقسم هذه الفصول إلى مستويات متنوعة من حيث مستوى مهارات المتعلمين اللغوية في الإنكليزية، اعتماداً على مستوى عمق محتوى المادة الدراسية وحجمها. كما تتنوع برامج التعليم ثنائي اللغة وأساليبه، إذ تستخدم ما تسمى بطريقة التعليم بالغمر”التعليم بالغمر language immersion مصطلح يعني الغوص في الشيء والاستغراق فيه بشكل كامل، وقد استخدمت الطريقة في تعليم اللغات الأجنبية، إذ إنها استراتيجية تعني التعامل مع الأطفال الذين نرغب بتعليمهم لغة أو أكثر غير لغتهم الأم بشكل متقن، وليس مجرد حديث فحسب، وذلك من خلال معايشة تامة في مختلف المواقف الحياتية، وعدم إدخال اللغة الأم أو الترجمة من اللغة التي يتعلمها الطفل إلى لغته الأم، بل يكون الحديث كله باللغة الأخرى، وعلى الرغم من تعدد النظريات التي تحث على إتقان الطفل لغته الأولى بداية؛ حتى لا يتعرض لتداخلات واضطرابات لغوية، إلا أن هناك دراسات تفيد بأن ملكات تعلم اللغة عند الأطفال في سنهم المبكر تكون متحفزة  ومهيأة لتعلم اللغات، وبأن تعلم اللغات يوسع إدراك الطفل”

على نطاق واسع. ولُوحظ أن القبول الشعبي لهذه الطريقة كان نتيجة لرفض التدريس التقليدي للغة أجنبية، إضافة إلى التركيز على الصوتيات وقواعد اللغة الإنكليزية. ويُطلق على الأنموذج الأكثر شيوعاً اسم “التعليم ثنائي اللغة الانتقالي”. وفي هذه الحالة، يجري تدريس 50% من المواد باللغة الإنجليزية، والنصف المتبقي يجري تدريسه في برامج ثنائية اللغة، أو متعددة اللغات، ومن ثم في وقت لاحق يُدمج الطلبة في عملية تعلّم أحادية اللغة “باللغة الإنجليزية” في مدرسة متعددة الجنسيات. كما يوجد بعض البرامج التعليمية والتدريبية لتطوير مهارات التحدث بلغة غير الإنجليزية، ويمكن أن يكون التدريب جماعياً أو فردياً، وتفترض البرامج جميعها أيضاً وجوب اكتساب الطلبة كفايات لغة الأغلبية وثقافتهم، والتي توفر المستوى اللازم من مهارات التواصل الضرورية في المجتمع. وفي الولايات المتحدة الأمريكية ثلاثة أنواع من التعليم ثنائي اللغة، الأول يرتكز على تعزيز قدرة المتعلمين على التحدث والقراءة والكتابة بلغتهم الأم في أثناء تعلم اللغة الإنجليزية، إذ يجري التدريس في البداية باللغة الأم، في حين تدرس اللغة الإنجليزية على أنها لغة أجنبية، أي استخدام اللغة الأم للأقليات أسلوباً تعليمياً انتقالياً، ولا سيما في السنة الأولى من الدراسة، بهدف دعم التعليم ثنائي اللغة في الصفوف العليا، ومن ثم يجري تعليم الطلبة بلغتين. أما النوع الثاني فلا يكون هدفه تقديم المعارف بلغتين، إذ تستخدم اللغة الأم حتى يحصل التلامذة على معرفة كافية باللغة الإنجليزية، وبعد ذلك يصبح التدريس باللغة الإنكليزية فقط. أما النوع الثالث من التعليم فهو موجه إلى الفصول التي تتكون من تلامذة يتحدثون الإنجليزية ولكنهم من غير الناطقين بها، ومن خلال تواصل الأطفال يتعلمون لغات بعضهم بعضاً.

التعليم ثنائي اللغة في كندا 

 يرجع القبول الشعبي للتعليم متعدد اللغات إلى رغبة المجتمعات الإثنية في كندا في إتقان المثل الثقافية الخاصة بهم، وهو أمر صعب دون معرفة جيدة بلغتهم الأم، وكذلك تحقيق النجاح في الحياة، وهو أمر مستحيل دون إتقان لغتي الدولة الرسميتين الإنجليزية والفرنسية، هذا يثير بعض المشكلات، لذلك تشعر سلطات كيبيك الفرنسية بالقلق من أن المهاجرين الجدد يفضلون الإنجليزية على الفرنسية، مع أن الدراسة الإلزامية باللغة الفرنسية في كيبيك.

 ويضمن الدستور الكندي ثنائية اللغة، أي يمكن أن يكون التعليم بلغتين رسميتين الإنجليزية والفرنسية، يشار هنا إلى أن أكثر من ثلثي أبناء “المهاجرين الجدد” لا يتحدثون اللغات الرسمية، ويجري توفير تعليم خاص لهم باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وتقدم أوتاوا الدعم المالي لحكومات المقاطعات لتوفير التعليم المناسب متعدد اللغات، ونتيجة لذلك، ومنذ أواخر الثمانينيات أصبح هذا التعليم شائعاً في أنحاء البلاد جميعها.

 ويستخدم تدريس لغة ثانية في كندا على نطاق واسع منذ بداية الدراسة بما يسمى ببرامج الانغماس الكلي المبكر، إذ يجري تطبيق الأنموذج المذكور وممارسته في نسختين، ويُستخدم الخيار الأول: خيار الإثراء من قبل السكان الناطقين باللغة الإنجليزية عند تعلم الفرنسية، وفي هذه الحالة يكون التدريب مكثفاً، في جو من استخدام الفرنسية بوصفها لغة للتعليم، أما الخيار الثاني: الخيار الانتقالي، وهو أن أطفال الأقليات القومية يجري نقلهم تدريجياً إلى الفرنسية والإنجليزية، ومع ذلك، تُدرّس معظم المناهج الدراسية باللغتين الرسميتين، بينما يُدرّس بعض مواد المناهج بلغة الأقليات.

 ولا يمكننا الحديث فيما يتعلق بالتعليم في كندا عن التعليم ثنائي اللغة فقط، وإنما عن التعليم متعدد اللغات أيضاً، وفي حقيقة الواقع الكندي يتضح أنه من الضروري دراسة لغتين وطنيتين الإنجليزية والفرنسية، وينتشر التعليم متعدد اللغات في كندا على نطاق واسع، ولا سيما بما يسمى بفصول التراث، إذ يتعرف الأطفال من الثقافات الفرعية الصغيرة لغات أوطانهم التاريخية، ويجري تنظيم فصول التراث بشكل جماعي في ست مقاطعات، وتجري عملية التدريس باستخدام لغات المجموعات الوطنية الصغيرة إضافة إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وتعمل فصول التراث عادة خارج ساعات الدوام المدرسي، في مؤسسات ثقافية أخرى، أو داخل المؤسسات التعليمية، ويجب على التلامذة في فصول التراث إثبات الكفاءة الفعالة في أقسام اللغة الإنجليزية والفرنسية من البرنامج من أجل الحصول على تمويل حكومي.

التعليم ثنائي اللغة في أوروبا الغربية 

في أوروبا الغربية، يُنظر إلى التعليم ثنائي اللغة على أنه أحد شروط الحوار بين الثقافات، ومعارضة التعصب القومي وكراهية الأجانب، وأعدت الهيئات فوق الوطنية لأوروبا المتكاملة وأطلقت مشاريع تعليمية ذات صلة من مثل: الميثاق الأوروبي للغات الإقليمية، ولغات الأقليات الصادر عام 1992، التعددية والتنويع والمواطنة عام 2001 وغيرها، وينبغي أن يتضمن التعليم مهارات، تقبل الآخر واحترام آرائه ومعتقداته وقيمه، وتفهم تقاليد ممثلي الجنسيات الأخرى، وتعزيز تدريس لغات الأقليات القومية، وإثراء أفكار التلامذة حول التنوع اللغوي والثقافي لأوروبا من الأيام الأولى من الدراسة.

 ويشرع الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا في توزيع المواد التعليمية باللغات الرسمية الأوروبية جميعها وكذلك بلغات الأقليات القومية، ويعمل على تعزيز استخدام تقانات الاتصال والمعلومات الحديثة في دراسة اللغات، مع مراعاة تدني مستوى الإتقان للغة غير اللغة الأم في بدايات تعلمها، لتشجيع تطوير مهارات التواصل الكلامي بلغة غير اللغة الأم، إلخ.

 ويشترط التعليم متعدد اللغات في المؤسسات التعليمية العامة في أوروبا الغربية، أن يتقن الطالب ثلاث لغات: اللغة الأم، وإحدى لغات العمل في الاتحاد الأوروبي، وكذلك لغة أي دولة أخرى من دول الاتحاد الأوروبي. ويُنظر أحياناً إلى التدريب اللغوي للمجموعات الوطنية الصغيرة في التعليم ثنائي اللغة على أنه يؤدي لتنمية مجموعات محلية صغيرة، ومهمة المعلمين التغلب على مثل هذه الصعوبات، وغالباً ما يكون اتقان التلامذة من الثقافات الفرعية الصغيرة للغات غير الأم متدنياً، وهم يفضلون استخدام لغتهم الأم خارج الفصل الدراسي، وفي تواصلهم مع أسرهم في المنزل، ويقوم بذلك نحو 54 إلى 66% من التلامذة في كل من ألمانيا، وسويسرا، وفنلندا.

 ومع تطور تقاليد التعليم ثنائي اللغة، إلّا إنه يواجه برؤية خاصة في بعض بلدان أوروبا الغربية، كما هو الحال في إسبانيا، إذ يُنظر إلى التعليم ثنائي اللغة ليس فقط على أنه مظهر من مظاهر الاستقلال اللغوي للباسك والكتالونيين في مجال الثقافة والتعليم، وإنما يشكل أساساً مهماً لاستقلالهم أيضاً، وتضمن الدولة الحق في الدراسة باللغتين الكاتالونية والباسكية، وتتطلب قوانين كاتالونيا ودولة الباسك من التلامذة تعلم لغتين: لغتهم الأصلية واللغة الإسبانية، وكذلك وجوب معرفة المعلمين باللغات الأصلية والإسبانية، ولا تُمنح شهادة التعليم العام في كاتالونيا للطلبة إلا بعد التأكد من اتقان اللغة الأصلية، ويجري اختيار لغة التدريس في مؤسسات التعليم العام وفقاً لرغبات الوالدين، ويجري التعليم في نحو 99.9% من المدارس الابتدائية العامة باللغة الكاتالونية، أما في مدارس المرحلة الثانوية، فالتدريس باللغة الإسبانية هو الأكثر شيوعاً. وتشير إحصاءات التعليم الخاص إلى وجود عدد قليل من المدارس الخاصة التي يتم فيها التدريس باللغة الكاتالونية. وكان هناك اتجاه نحو تقليل نسبة هذه المؤسسات من 70% عام 1992 إلى 58% عام 1997.

 أما في مناطق الباسك، فيجري تشجيع تعلّم اللغة الأصلية بوصفها وسيلة للحفاظ على الهوية العرقية، وتنص التشريعات على إلزامية التعليم في مختلف مستوياته بلغة الإسكوارا “لغة الباسك”، التي يتحدث بها 25% من سكان المنطقة البالغ عددهم مليوني نسمة.

 وتتباين الآثار المترتبة على التعليم ثنائي اللغة في كل من كاتالونيا وبلاد الباسك، فاللغة الكاتالونية منتشرة ليس فقط بين المجموعة العرقية الأصلية، بل يتقنها كثير من غير الكتالونيين، في حين نجد أن الوضع مختلف في مناطق الباسك، إذ إنه من الصعب تعلم لغة الإسكوارا، ولا يمكنها منافسة اللغة الإسبانية في التواصل أحادي اللغة.

#سفير_برس _ بقلم : عبد الله المجيدل 

كلية التربية – جامعة دمشق

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *