إعلان
إعلان

الشاعر رياض صالح الحسين مبدعُ غيّبه الموتُ باكراً

سفير برس مختارات

إعلان

حاله حل العشرات من المبدعين لم تسلط عليهم الأضواء الإ بعد رحيلهم وإن على خجل شاعر شاب ملك مفاتيح الإبداع من خلال المفردة والصورة معاً, وجدد في النص الشعري حيث طوعه كما يريد وجعل من الخيال الشعري صورة اقرب للواقع  كتب الشعر والقصة والمقالات الصحفية وأبداع في كل الميادين إنه الشاعر الشاب رياض الحسين .

الشاعر رياض صالح الحسين في سطور :

وُلِدَ رياض الصالح الحسين في مدينة درعا في 10/3/1954 لأب موظف بسيط من قرية مارع في شمال حلب

 

.كان والده يتنقّل مع عائلته بين المدن السورية ثلاثين عامًا

 

.منعه الصمم و البكم من إكمال دراسته، فدأب على تثقيف نفسه بنفسه

 

.اضطر إلى ممارسة العمل مبكرًا، كعامل و موظف و صحفي، و عانى من مشكلة البطالة

 

.كان مستمرًّا في كتابة الشعر و الموضوعات الصحفية منذ عام 1976 حتى وفاته

 

:أصدر ثلاث مجموعات شعريّة في حياته

 

خراب الدورة الدمويّة – مطابع وزارة الثقافة – دمشق 1979

 

أساطير يوميّة – مطابع وزارة الثقافة – دمشق 1980

 

بسيط كالماء واضح كطلقة مسدَّس – دار الجرمق – دمشق 1982

 

.أنجز مجموعته الشعريّة “وعل في الغابة” قبل وفاته

 

.كتب في الشعر، القصة القصيرة، قصص الأطفال، المقالة الصحفية، و النقد الأدبي

 

.كتب عن الموت، و كتب في تمجيد الحياة كثيرًا

 

.توفي في دمشق  21/11/ 1982

 

كان الشاعر الشاب رياض صالح الحسين  طفرة في المشهد الثقافي السوري، قلّما يخرج شاعر مثله (لم يتجاوز 29 عاماً)، على صعيد فرادة النص، وسعة انتشاره، بالإضافة لأسلوبه الذي تستطيع من خلاله تمييز النص من دون قراءة اسم صاحبه، إن كان وارداً على منشور في «الفيسبوك» على سبيل المثال، تداول قصائد الحسين مثير للانتباه على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد مرور عشرات الأعوام على وفاته، على الرغم من أن المرء يجد شاعراً حيثما التفت.

 

 نختار اليوم ديوانه  وعل في الغابة ” وهو من منشورات وزارة الثقافة و الإرشاد القومي – دمشق 1983

 

إلى هيفاء أحمد

قصائد

“أنت في وحدتك

بلد مزدحم”

روفائيل ألبرتي

 

غرفة الشاعر

يفتح بابَ الكلماتِ و يدخلُ بخطىً خائفةٍ

 

في أنحاءِ الغرفةِ

 

بعض قصائد ذابلة

 

كلمات تتمدد فوق الكرسيّ

 

و أخرى تتعلّق بالمشجب

 

سنبلة تهرب من بين أصابعه

 

و طيور تقتحم الشفتين

 

يرى عشبًا ينبت في المكتبةِ المهملةِ

 

و نبعًا ينبثق من الحائط

 

بعد قليل سوف يداهمه الليل بأقمار و كوابيس

 

تداهمه أشجار الغابة

 

و رمال الشاطئ

 

و حصى الأنهار

 

و آبار فارغة

 

يملؤها بحروف سوداء

 

ماذا يأخذ من جثث الأيام

 

و ماذا يترك

 

غير قصائد ذابلة

 

و غبار الكلمات؟

 

و بعد قليل

 

سوف يداهمه الشرطيّ

 

ليسأله عن جمل غامضةٍ

 

و يحذره من استعمال “القُبلة” و “القنبلة”

 

و يمضي..

 

هو ذا الشاعر

 

يفتح نافذة القلبْ

 

يغلق عينيه

 

و يحلم بقصيدة حبْ

 

 

غرفة المحارب

 

يتوسد خندقه الرمليّ وحيدًا

 

و يداه تحيطان برشاشٍ مملوء بالموت

 

سيأتي الزوّار مساءً

 

زائرة تحمل للأرض قنابل ضوئية

 

أُخرى ستمشط بالنار سهولاً تمتدُّ

 

سيأتي الأعداء مساءً

 

كقطيعِ ذئابٍ كاسرةٍ

 

يلتهمون بيوت الطين

 

و أشجار التفاح

 

و كرّاسات الأطفال

 

و رأسَ الجنديّ

 

الجندي يرتب غرفته الرملية

 

الماء هنا

 

و الطلقات هناك

 

و ها هي صورة نرجسة تبتسم لجندي

 

يحملُ رشاشًا و خضارًا

 

الزوار يجيئون

 

فأهلاً

 

يطلق طلقته الأولى

 

سيظل يقاتل حتى آخر حبّة رمل من هذا الخندق

 

 

غرفة السائح

 

العالم غرفة هذا السائح

 

إذ يمضي في ردهاتِ العالمِ

 

يجمع أحجارًا من مدنٍ بائدة

 

و نقودًا لشعوب أهلكها الزلزالُ

 

و يجمع صورًا لجوامع

 

و متاحف

 

و تماثيل مرعبة

 

يمشي في أرصفة الدنيا

 

فيرى سفاحًا فيصوّره

 

و بائعَ ليمونٍ فيصوّره

 

و راقصة يسألها:

 

ماذا تعني

 

“Merci”

 

بالعربيةِ

 

و لماذا لا يزرع هذا الشعب “الأناناس”؟

 

السائحُ يفهمُ أو لا يفهمُ

 

يعلمُ أو لا يعلمُ

 

سيظل يسير و ينظر و يصوّر

 

فالعالم غرفة هذا السائح

 

و النافذة كاميرا

 

 

غرفة مهدي محمد علي

 

هي ذي غرفته تنهض من بين الأنقاض

 

مسيّجةً بدمٍ و عبيرٍ

 

ندخلها في الليل كقديسين جميلين

 

و يدخلها الشيوعيون، و عباد الشمس،

 

و أخبار المدن المشتعلة

 

هي ذي غرفته

 

أبعد من وطنٍ

 

أقرب من رمشِ العين إلى العين

 

و يا مهدي

 

أرنا كفيك

 

ألم تنمُ الأعشاب عليك

 

ألم تورق أغصان القلب

 

و ماذا يحدث لنبات البصرة

 

و تراب البصرة

 

هي ذي غرفته

 

أجمل من قبر

 

و أعلى من شجرة نخل

 

و صاحبها

 

طير في قفصٍ

 

يفرك عينيه، يبعثر أوراقًا و رسائل،

 

يكتشف امرأة في فنجان القهوة

 

ذات مساء

 

سوف تدق الباب نباتات الزينةِ

 

تأتي الأزهار، و أشجار الصفصاف،

 

و أعشاب الغابة، و ثمار اليقطين

 

و تحتل الغرفة

 

الولد النائم

 

قبل أن يذهبَ للحرب مضى نحو السرير

 

أغلق عينيه و نام..

 

رأى فيما يرى الأولاد

 

سهلاً فسيحًا تركض الغزلان فيه

 

سربًا من عصافير

 

و أشجارًا من الدراق

 

أزهارًا لها هيئة أقمارٍ

 

رأى نهارًا واسعًا جدًا

 

و من أقصى النهار جاء رجل يسعى

 

ألقى على الطفل قميصًا من دمٍ

 

فاختفى السهل و ماتت الغزلان

 

و الأشجار

 

اختفى النهار..

 

قال الولد الجميل: لا بأس

 

أغمض عينيه بعينيه

 

و نام

 

رأى عشرين ملاكًا يهبطون قربه

 

سألهم: هل تأكلون البرتقال

 

هل نستطيع أن نلعب لعبة الهرّة و الفأر

 

أختبئ الآن فوق سريري

 

جديني أيتها الهرّة/الملاك..

 

….

 

و من أقصى السماء

 

جاءت القنبلة فوق سرير الولد الجميل

 

طار الملاك

 

و ماءت الهرة حينما رأت إصبع طفل في التراب

 

قال الولد الجميل:

 

لا بأس، لا بأس

 

عاد إلى السرير متعبًا

 

أغمض عينيه بعينيه

 

و نام..

 

رأى فيما يرى الحالم

 

أسماكًا على الجدران

 

ذئبًا يسبح في البركة

 

تمساحًا يعود للملهى

 

و امرأة تنتظر الربّ أمام قصر العدل

 

صاح الولد الجميل:

 

لا أريد أن أرى شيئًا

 

أريد أمي و زجاجة الحليب و القماط

 

قال الولد الجميل شيئًا

 

ليس حسنًا جدًا

 

و ليس سيئًا جدًا:

 

“عاش البط

 

عاش النهر

 

عاشت الهرّة

 

عاشت الأشجار

 

عاشت أختي و أخي

 

و لتسقط الدبابة..”

 

 

أغلق عينيه بعينيه

 

و نام أبدًا

 

رغبات

 

“عندما كان العصفور

 

يصفّر في العشب

 

و الريح تنهش جدراننا العظيمة

 

كنا كأنما في عيد

 

و كان كل شيء يتحقق”

 

غيليفيك

 

كنجمة في السماء

 

كوعل في الغابة

 

أمامي الكثير لأعطيه

 

و خلفي الكثير للمقابر

 

أمامي النهر و رائحة الصباح و الأغاني

 

البشر الرائعون و السفر و العدالة

 

و خلفي الكثير الكثير

 

من الكهنة و التماثيل و المذابح

 

و ها أنذا أمشي و أمشي

 

بين هزائمي الصغيرة و انتصاراتي الكبرى

 

و ها أنذا أمشي و أمشي

 

متألقًا كنجمة في السماء

 

و حُرًّا كوعل في الغابة

 

لي وطن أحبه و أصدقاء طيّبون

 

بنطال و حذاء و كتب و رغبات

 

و وقت قليل للرقص و الجنون و القنبلة

 

لقد بدأت أتعلم كيف أبتسم و أقول وداعًا

 

و بدأت أتعلم كيف أتألم

 

بعيدًا عن الضجيج و العواصف

 

أما الكلمة الجميلة، الجميلة

 

التي تشبه طائرًا أبيض

 

و التي تشبه شجرة في صحراء

 

فلقد اكتشفتها متأخرًا قليلاً

 

مثلما تكتشف السفينة اتجاهها

 

و مثلما يكتشف الطفل أصابعه و عينيه

 

لذلك أمشي و أمشي و أمشي

 

فأمامي الكثير لأعطيه

 

و خلفي الكثير للمقابر

 

و لذلك أمشي و أمشي و أمشي

 

و لا أنتظر أن ينتهي طريقي

 

هذه صخرة و هاتان عينان

 

هذا قمر و تلك أوزة

 

و ثمة أشياء كثيرة لم أكن أراها:

 

أيدي الأمهات

 

أكياس الطحين

 

و طلاب المدارس

 

إنّني أفتح عيني كنبع صغير

 

و أتحرك برشاقة الرعاة

 

فلقد بدأت أعلم

 

-و ربما متأخرًا قليلاً-

 

أن آلاف الحروب و ملايين الجرائم

 

لم تستطع منع القطة من المواء عندما تجوع

 

و الوردة من أن تتفتح

 

و المطر من أن ينهمر بغزارة…

 

لذلك أمشي و أمشي و أمشي

 

متألقًا كنجمة في السماء

 

و حُرًّا كوعل في الغابة

 

و عندما أصل إلى البيت

 

وحيدًا أو عاشقًا

 

مرحًا أو حزينًا

 

أعترف لنفسي بأخطائي القليلة

 

و أنتظر:

 

عشب الطريق

 

هدير القطارات

 

و عمال المصانع

 

و لون السماء في الصباح الباكر

 

الباكر

 

الباكر

 

رغبات

 

أريد أن أذهب إلى القرية

 

لأقطف القطن و أشمّ الهواء

 

أريد أن أعود إلى المدينة

 

في شاحنة مليئة بالفلاحين و الخراف

 

أريد أن أغتسل في النهر

 

تحت ضوء القمر

 

أريد أن أرى قمرًا

 

في شارع أو كتاب أو متحف

 

أريد أن أبني غرفة

 

تتسع لألف صديق

 

أريد أن أكون صديقًا

 

للدوري و الهواء و الحجر

 

أريد أن أضع بحرًا

 

في الزنزانة

 

أريد أن أسرق الزنازين

 

و ألقيها في البحر

 

أريد أن أكون ساحرًا

 

فأضع سكينًا في القبعة

 

أريد أن أمدّ يدي إلى القبعة

 

و أخرج منها أغنية بيضاء

 

 

 

أريد أن أمتلك مسدسًا

 

لأطلق النار على الذئاب

 

أريد أن أكون ذئبًا

 

لأفترس مَنْ يطلقون النار

 

أريد أن أختبئ في زهرة

 

خوفًا من القاتل

 

أريد أن يموت القاتل

 

حينما يرى الأزهار

 

 

أريد أن أفتح نافذة

 

في كل جدار

 

أريد أن أضع جدارًا

 

في وجه من يغلقون النوافذ

 

 

 

أريد أن أكون زلزالاً

 

لأهزّ القلوب الكسولة

 

أريد أن أدس في كل قلب

 

زلزالاً من الحكمة

 

 

 

أريد أن أخطف غيمة

 

و أخبئها في سريري

 

أريد أن يخطف اللصوص سريري

 

و يخبئونه في غيمة

 

 

 

أريد أن تكون الكلمة

 

شجرة أو رغيفًا أو قبلة

 

أريد لمن لا يحب الشجر

 

و الرغيف

 

و القبلة

 

أن يمتنع عن الكلام

 

 

 

 

 

 

 

مفارقات

 

 

 

 

 

“أعدّ الأيام على أصابعي

 

و عليها أعدّ أيضًا

 

أصحابي و أصدقائي

 

و في يوم ما

 

لن أعدّ على أصابعي

 

سوى أصابعي”

 

 

 

بول فانسانسيني

 

 

 

 

 

 

 

الذئب

 

 

 

الذئب الذي افترسني

 

تركني وحيدًا في الغابة

 

مَن يغطي جثتي بالأعشاب

 

بأوراق الأشجار اليابسة

 

بقليل من تراب؟

 

مَن يقرأ الفاتحة على روحي

 

مَن يغمض عيني الهلعتين

 

مَن يضع على صدري

 

صليبًا من أزهار؟

 

الذئب الذي افترسني

 

صار أنا

 

أخذ وجهي الشاحب

 

و شفتيّ المرتجفتين

 

و قلبي الطيّب

 

و ظل محتفظًا بأنيابه

 

أنا الذئب

 

ذو اليد البيضاء

 

أدور في المدينة و أعوي

 

أنا الذي قتل الصياد في الغابة

 

أنا الصياد

 

احذروا حبي

 

و احذروا أنيابي

 

 

 

 

 

 

 

مقاطع

 

 

 

من أكاذيب الكلام

 

من أكاذيب الروائح

 

من أكاذيب الأصوات

 

من أكاذيب العالم

 

الكذبة الوحيدة التي تستحق التصديق

 

هي الحب

 

 

 

في حصار الماضي

 

في حصار الحاضر

 

في حصار المستقبل

 

لا منفذ للحياة

 

سوى الحياة

 

 

 

الكلمة الجميلة

 

الكلمة اليائسة

 

الكلمة الحزينة

 

الكلمة المرحة

 

الكلمة العاشقة

 

الكلمة البسيطة

 

الكلمة الحية

 

كلها تنتفض في قاع صمتي

 

 

 

 

 

 

 

روتين

 

 

 

القهوة مع الحليب في الصباح

 

قبلة الزوجة السريعة

 

الطريق إلى العمل

 

الطريق إلى البيت

 

الطريق إلى السرير

 

و من ثم..

 

القهوة مع الحليب في الصباح

 

 

 

إنه حيّ تمامًا

 

المسه و لا تخفْ

 

فالموتى لا يخيفون

 

 

 

 

 

 

 

يهوي

 

 

 

مثلما يهوي ينزل من فضاء بعيد

 

نحو فضاء بعيد

 

هكذا تهوي روحه

 

هلعة، حزينة، ساطعة

 

نحو حياة مفعمة بأشياء يحبها

 

حياة تضيء و لو قليلاً

 

عتمة نهاره الحالك السواد

 

 

 

 

 

 

 

خراب

 

 

 

كان عليه أن ينظر إلى المرآة

 

ليرى عشرات الثقوب و الأثلام

 

تملأ سماء وجهه

 

وجهه الذي يشبه

 

قرية اجتاحها الطوفان

 

أو، على الأقل

 

لوحة باهتة الألوان

 

من القرن الثامن عشر

 

 

 

كان عليه أن ينظر مرة ثانية

 

و بعمق شديد

 

ليرى عينيه الضاحكتين الودودتين

 

تسخران من كل هذا الخراب

 

رئيس التحرير : محمود أحمد الجدوع

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *