إعلان
إعلان

الحظ والنجاح .. _ بقلم: غالية اسعيّد

#سفيربرس

إعلان

من منا لم يبحث عن سبل النجاح في حياته، وتمنى أن يحظى بالسهل واليسير، ومن منا من اعتقد بأن التفوق والنجاح يأتي من بذل الجهد العضلي والذهني، أو أنه ضربة حظ فلكية، أو كان مثلاً تداخّل من عوامل مثل الحظ والصدفة وغيرهما من المفردات الخارجة من منظومة الحياة العملية، أتوقع أن هذا الخيال والتمني لم ينجو منه أحد، أليس كذلك ؟؟
عُرف النجاح بأنه مرهون بعمل الإنسان وسعيه إليه، وإن الفشل أيضاً يكون نتاج التكاسل والتواكل، فنحن نؤمن أن الذات الإلهية قد قسمت فرص النجاح لعباده بالسوّية، فالنجاح ليس قضاءً مبرماً للبعض، كما ليس الفشل أمراً محتوماً للآخرين، بحيث يكون الناجح ممن يحرزه وإن لم يبذل جهداً، بينما الفاشل يبقى محروماً منه مهما حاول وبذل من جهود، بل النجاح أمر متوفر للجميع، تماماً كما أن الطعام، والراحة، والمسكن متوفر للجميع، وإن بنسبٍ متفاوتة.
تعال نتفق بأن النجاح ليس ضربة حظ ، بل يمكن القول أنه إذا كان من النادر أن يصبح المرء مليونيراً بالصدفة كأن يموت أحد أقربائه الأغنياء فيرث منه فإنه من المستحيل أن يصبح ناجحاً بالصدفة، فالنجاح لا يُورَّث ، إنما له قواعده الثابتة ، وقوانينه الطبيعية ، والإنسان في كل الظروف ، وفي جميع الحالات بإمكانه تحقيق النجاح في حياته بشرط اتباع قوانين النجاح وأصوله، والناجحون في العالم، إنما يصلون إلى القمة، بإتباع تلك القوانين، كما أن الذين يتعلمون فن القيادة إنما يتبعون قوانينها، ولا يتم لهم ذلك كضربة حظ ، أليس كذلك ؟ فكما لا يولد أحد وهو سائق بطبعه، فإنه لا يولد أحد وهو ناجح بطبعه.
لذا يمكن القول: إن النجاح صناعة يدوية، فالناجح يصنع الإنسان بيديه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الفشل، وهذا يكون عندما لا يربط الناجحون نجاحهم بالحظ الحسن، ولا ينسب الفاشلون فشلهم إلى الحظ السيئ، أو الظروف المعاكسة أو مؤامرات الآخرين.
والفرق بين الناجح والفاشل ليس في أن الناجح يجد نفسه في النور، والفاشل يجد نفسه في الظلام، فكلاهما قد يجد نفسه في غرفة مظلمة، لكن الناجح بدل ان يلعن الظلام يشعل شمعة، بينما الفاشل يكتفي بالجلوس في زاوية الغرفة ويلعن الظلام.
إن النجاح مغامرة عمل، يحصل صاحبها في النهاية على شهادة النجاح، تماماً كما يحصل المتسابق على شهادة التفوق بعد أن يكون قد اجتاز العقبات الواحدة تلو الآخرى.
ولهذا فإن الناجح يبدأ من الصفر، وليس من هو ناجح بالوراثة، وغيره بالجهد والعمل والإقدام والمبادرة، لذا فإن صفات الناجحين مشتركة بالضرورة.
صحيح أن هنالك أشخاصاً يولدون في ظروفٍ خاصة من حيث المستوى الاقتصادي أو الثقافي أو الاجتماعي، مما يوفر لهم فرصاً جيدة للنجاح، إل أن ذلك لا يعني أن النجاح يصبح واجباً لهم، وحراماً على غيرهم، فكم من أشخاص فشلوا بالرغم من الظروف المواتية؟ أليس كذلك؟ وكم من أشخاص نجحوا بالرغم من الظروف المعاكسة، ومثال ذلك: من يحصل على ثروة كبيرة مرة واحدة من إرث ضخم، بيد أنه يضيعها بسوء تدبيره، بينما نلاحظ حُسن التدبير يخلق المال بنفسه.
لربما كان الحظ هو المعني بالأمل الذي جاء في الآثر القديم في نهج البلاغة: «من أطال الأمل أساء العمل»، وأيضاً «من أتسع أمله قصر عمله» لأنه يعتمد على حظه، وليس على إنجازاته وأعماله.
الاعتماد على الحظ يستقي قوته من الآمال الطويلة والعريضة رغم فقدانها مصداقيتها وخوائها، وهذا ما يصدم الفاشلين دائماً ويزيدهم هماً على همهم، وحتى لو آمنا بالحظ في هذا السياق، فان الحظ يكون من نصيب الأشخاص الذين ينطلقون إلى سوح العمل أملاً بالكسب والنجاح، ولا شك أنهم يحصلون على مبتغاهم مهما كان، وليس من نصيب الأشخاص القابعين في البيت وراء باب مقفل وهم حالمون بصيد ثمين.
إن المحظوظين الحقيقيين حسب ما يعتقده البعض إنما يسيرون في الحياة وفقاً لنظرة تختلف عن نظرة معظمنا، فهم يحضرون للفرص المواتية، وينمون في أنفسهم عادات تفيدهم في اقتناص تلك الفرص مثل المبادرة، والشجاعة، والمثابرة.
وبإمكان أي كان أن يعزز فرص نجاحه من خلال تبني عادات الناجحين تلك، سواء كان هدفك تحسين وضعك العام أم الوصول إلى منصب معين، أم إقامة مشروع خاص، أو أي شيء من هذا القبيل.
وهكذا فليس هنالك موقف أكثر ضرراً لمن ينشد النجاح من أن يضع ثقته في الحظ من غير أن يعمل له، فالعالم يسير ضمن قانون العلة والمعلول، والسبب والمسبب، وسنة الله التي لا تقبل التغيير والتبديل، وهذا القرآن الكريم يؤكد هذه الحقيقة :(ليس بأمانيِّكم ولا أمانيِّ أهل الكتابِ)
قد تقول: إذا لم يكن للحظ تأثيره الأساسي في النجاح، فكيف تفسر ما يتمتع به البعض من الحاسة السادسة، أو الحدس القوي، بحيث أنهم يعرفون بالغريزة أي عمل ينجح، وأي عمل يفشل، إن الأشخاص الناجحين الذين يمارسون الأعمال الهامة، إنما يعطون غالباً الانطباع بأنهم يتصرفون بوحي الحدس، بيد أن الحقيقة أن اهتماماً دقيقاً ومستمراً بالأحداث أتاح لهم معرفة العالم بدقة، فيبدون معها أنهم يتصرفون بطريقة لا إرادية، تماماً كالقلب الذي ينبض دون أن نعي الحافز الذهني.
فإذا سألتهم لماذا تتصرفون هكذا؟ لا يستطيعون إجابتك بشيء سوى عبارة: «فكرة طرأت هكذا»، ولكن السبب هو أن وعيهم لا يُدخل في الحساب، الخبرة المكدسة بطريقة لا واعية، وعندما تصدق تكهناتهم وتوقعاتهم، يهتف الجميع: يا للحظ! وكان الأولى بهم أن يهتفوا: يا لسداد الرأي، وياه للاختبار الغني.
ترى كيف لا يكون الحدس السليم لدى الذين لم يتعلموا في الحياة، وليست لديهم خبرة عملية طويلة، إن الحدس نتيجة الخبرة، والخبرة نتيجة العمل الطويل، وهذا ما يفسّر لماذا يسميه البعض حظاً.
أما سوء الحظ، فهو مشجب يعلق عليه الكسالى فشلهم، ولا شك في أن المتبرم بالحياة، الذي يشكو دائماً سوء حظه، لن يلتقي بالحظ أبداً، فإن الحظ لا يذهب إلا إلى الذين يعملون على جذبه، لا إلى الذين يقفون في مكانهم ينتظرون نزول الحظ من السماء مع المطر!
وقد يقول قائل: كيف تتنكر للحظ، ونحن نشاهد كل يوم كيف يضحك للبعض، ويرفعه إلى قمة النجاح، بينما لا يفعل ذلك لغيره، فيصبح فاشلا؟!
إن كل ما يمكننا أن نعطيه للحظ، مع قطع النظر عن تفسيره ومعناه، لا يتجاوز نسبة العشرة بالمائة من حصة النجاح.
صحيح؛ أحياناً يضحك للبعض، ولكن التعويل عليه مثل التعويل على اليانصيب، تُرى؛ لو أن كل الناجحين تركوا أعمالهم، وواجباتهم واعتمدوا على اليانصيب للحصول على أرزاقهم، وتحقيق أهدافهم فما الذي كان يحدث في الأرض؟
هكذا الأمر بالنسبة إلى أولئك الذين يتركون أعمالهم انتظاراً لمجيء الحظ، ويتركون مصائرهم بين يديه.
يقول أحد الناجحين: «إن أسرار النجاح ليست تكهنات فهي لا تستبعد الحظ المبتسم ولا الظروف العائرة، لكنها ترفض السماح لهذه الأمور بأن تتحكم في حياتنا».
إن مختصر الحديث الحظ عادل وأمين، فهو يبتسم للجميع بالمقدار نفسه، لكن الفرق هو في التجاوب الذي يجده من بعض، والتنكر الذي يجده من آخرين.

#سفيربرس _ بقلم: غالية اسعيّد

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *