إعلان
إعلان

وفي الليلة الظلماء يرتقب البدرُ: بقلم محمود أحمد الجدوع

إعلان

خرجت من عنق المعاناة متأبطة نصف الحقيقة ,  لتبحث عن نصفها الآخر المفقود بين طيات الأيام الحلوة والمرَة , حاملة ً  على كاهلها وجع السنين الغابرة , جابت وجالت شوارع المدينة  المعتمة طولاً وعرضاً , علها تعثر بين الأزقة والحارات على ضالتها , تبحث عن عابر يحمل لها  خبر ذلك الفارس لكنها لم تجد سوى صدى وقع خطاها  , بين جدران المنازل المتعبة  من كثرة العابرين , ومن ترداد حكايات  السهارى على مقاهي الأرصفة .

هذا حال ” رفيف ” والعشرات ممن فاتهن قطار الحياة ذات يوم وجلسن يرقبن قطار الفرح القادم من وراء الأفق , حاملاً  معه الحب والحياة والدفء , وفارس الأحلام الذي ينقلهن  للضفة  التي  طالما حلمت , وحلمن بالوصول إليها .

” رفيف ” نامت على مركب الحب واستيقظت لتجد نفسها على صخرة التحدي , كل ما تذكره في تلك الليلة الظلماء أنها ودعت حبيبها على ذلك الرصيف , المزدحم بخطى المارّة, وهمسات الوداع الساخنة , حيث امتزجت دموعها بحبات الندى البارد , المتساقط على خديها من كثافة الضباب وحرارة أنفاسها الدافئة .

كل ما تذكره ” رفيف ” ذلك العناق الذي دام طويلا في عتمة تلك الليلة , وخفقان قلبها الذي تلاشى بعد سنين من الصبر والانتظار. والحرمان  والعذاب .

خمسة عشر عاماً مضت , لم تحضى ” رفيف ” ولو ببصيص أمل , أو ” طارش ” يخبرها بأن فارس أحلامها سوف يعود , أو أنه لازال على قيد الحياة , لم تترك جذع شجرة في المدينة إلا وحفرت عليه اسمه , ولم تترك عرّاف ولا عرّافة إلا “وبيّضوا لها الفال ” , حتى المشعوذين والسّحرة شاطروها مهمة البحث عن ضالتها وأوهموها أنه عائد على ذلك الفرس الأبيض ذات مساء .

مسكينة ” رفيف ” لم تعلم أن فارس أحلامها الذي ودعته ذات مساء , على أمل اللقاء به , ودّع قبلها ثلاث عشيقات غيرها كل واحدة على رصيف , وردد لهنّ نفس العبارات التي همس لها بهن , ورسى مركبه على شاطئ آخر بعيد , كانت تنتظر عليه ” رفيف ” أخرى , هي أوفر حظ منك  ومن قريناتك , لأنها التقته في ليلة  صافية نجومها زاهرة كان  القمر حينها بدرً !.

لماذا تتحجر عقول النساء على عتبات العواطف ؟.

ولماذا تقسوا قلوب الرجال في أحضان  العذارى ؟.

هل تسيطر الرغبات والشهوات على العقول , أم تركع العواطف على عتبات الرغبة !.

مسكينة قلوب العذارى , لماذا يركّعها الحب ,  ويسحقها لتصبح رماد يذر على أحلام العاشقين ؟.

من بيديه مفاتيح الحل لهذه الثنائيات , سيكون بيده مفاتيح الحقيقة التي تبحث عنها ” رفيف ” وصويحباتها .

فلولا قسوة الرجال لما رقت قلوب النساء , كما لولا طيبة النساء ما نبتت جذوة الحب في قلوب البشر , وبالرغم من هذا وذاك , لا يخلو رجل أو أنثى من دوامة هذا الصراع  الأبدي !.

” رفيف ” أيتها الرقيقة التعيسة المعذبة , لست ِ وحدكِ ضحية الحب في هذا العالم , كُثر ضحاياه  يكفيك أنك ذقتِ حلاوته ذات ليلة , وهي ليلة الوداع , فارسك الذي تنظرين ترجل عن فرسه وأطلق له العنان كي يرحل بعيداً … بعيداً .. في ليلة ليس فيها ضوء قمر .

معاني المفردات :

الطّارش : المراسل الذي ينقل الأخبار .

بيّضوا لها الفال : تبييض الفال  إعطاء  النقود للعراف كي يظهر له الغيب جليلاً .

                                        بقلم : محمود أحمد الجدوع

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *