إعلان
إعلان

أنصفوا الحمير في عيدهم. بقلم: هبة الكل

#سفيربرس

إعلان

ذات يوم رأيتُ حماراً يخترق الحدود، سالكاً جروفاً ترابية وعرة، محمّلاً بصنوف متنوعة من التبغ والوقود والشوكولا اللذيذة، وغير ذلك من الممنوعات المهربة، ولأنَّ الحمار يخضع لعمليات تدريبية عجيبة ليستطيع بها أن يسلك الطّريق وحده بلا إنسان يقوده، كان الهدف هو الحصول على
” حمار زاجل، بلا قائد” قادر على تنفيذ عملية التهريب بدقة متناهية.
ويا له من مسكين إن وقع في قبضة أحدهم، فكم من عناوين عنونت:
“إلقاء القبض على أشهر حمار مهرب”، والحكم عليه بتهمة التهريب، وهو لا حول له ولا قوة !!
ومنذ ذلك الوقت تحول الحمار عبر التّاريخ من محاوِر وصديق وبطل للقصص والأدب الساخر بأجناسه المتنوعة إلى بطل التّهريب والخضوع للتعذيب.
8 مايو: اليوم العالمي للحمير ( Internaional day of donkeys)
من الأيام الدوليّة التي تحتفي بها بعض شعوب العالم بالحمير، وقد أطلقته منظمات حقوق الحيوان بهدف الاحتفال بقرابة 59 مليوناً من الحمير والبِغال التي تعيش في الكرة الأرضيّة، بحيث يتم تخصيص الحمار والدفاع عن هذا الحيوان الأليف، وتوعية الجماهير بضرورة الاهتمام به وتقديم العناية اللازمة له، خوفاً عليه من الانقراض.
وهذا اليوم من المناسبات المُثيرة للجدل، فهنالك المؤيد له، وهنالك من يجده يوماً هزلياً؛ كونه يخص الحمار المعروف لدى الجميع.!!
ومما يزيد تعجبي الهزلَ والاستهزاء من الحمار واسمه وحتى عيده، وكأنّه يحمل نبضاً مضحكاً فريداً لا يحمله غيره من الحيوانات، إذ لستُ أرى في الحمار ما يضحك، ولو أمعنا البصر والبصيرة لآثرنا الرّحمة والإشفاق عليه لا الهزل والسّخرية منه.
لكن وكما يبدو أن جميع أفراد العائلة الحميرية تحمل الإنسان على الضّحك والتهكم والشتيمة، بدءاً من ابنه من امرأته الحمارة جحش، وابنه من الحصان بغل، وهكذا تُحمل هذه الأفراد تشبيهاً وسباباً على كل إنسان غبيّ، فيقولون: فلان حمار، وفلانة حمارة،، وفلان بغل، وفلانة جحشة.
وكما قال إميل حبيبي: ” وأنا أُجِلُّ الحمار عن أن أطالبه بما أطالب به ذوي العقل واليد واللسان”.!!
وبالعودة إلى لفظ الحمار في معاجم لغة العرب نجده مشتقّاً من فعل حَمِرَ بمعنى أكل الشّعير حتى أُتخِمَ، ورجل حامر وحمار: ذو حمار، ومنهم من يردّ اللفظ إلى كلمةِ أحمر، مع أن لونه ليس بأحمر، إلا إذا كان يعرف الخجل أكثر من بني الإنسان.
ومما يتناقله العامّة مقولة: ” إذا بليتم فحامروا”، أي إذا وقع عليكم أمر من الأعداء لا مفر لكم منه فغالبوهم وادفعوا عن أنفسكم.
واسم الحمار في العبرية “حامار” أو “حامور” ومعناهما الحمل والقوة. وهاتان الصّفتان من صفات الحمار سواء كان عربياً أو عبرياً.
اعتقاد خاطئ
الحمار ليس حيواناً غبياً كما هو معروف، وبحسب خبراء فهو من أذكى الحيوانات إذ يكفي أن يمشي على الطريق مرة واحدة ليحفظها طوال حياته.
فالحمار كما قال يوسف زيدان: “لا يمكن بحال أن يكون غبياً، هو صبور بطبعه، وقد يبدو الصبر غباءً أحياناً”.
لكنه عنيد عند الضرورة، فإذا وضعت على ظهره حملاً أكثر من اللازم فلن يتحرك به ولو أشبعته ضرباً لأنه ” صاحب تقدير جيد”.
نشأة اليوم العالمي للحمير
تمَّ العثور على رسومات للحمير في الكهوف والحضارات القديمة، وفي عصرنا الحالي ظهرت فكرة إقامة يوم عالمي للحمير منذ عام 2018 م، ومنذ ذلك العام حتّى يومنا هذا والعالم يحتفل بيَوم الحمار العالميّ، الذي تبقى شخصيته متمحورة حول السلبيّة والطاعة والصبر والانصياع، وتمَّ إلصاق هذه الصفات بالإنسان، ليُصبح الأمر أكثر ازدراءً، وفي المُقابل أظهر التاريخ الثقافي والأدبي للحمار أهمية جمّة، حيث تصدّر الحمار مكانة أدبيّة عالميّة.
هذا وتتعدد أشكال الاحتفال في يوم الحمير العالميّ باختلاف البلد والعادات والتقاليد السائدة فيه، وفيما يلي أبرز أشكال الاحتفالات في يَوم الحمير العالميّ في أرجاء المعمورة كالتالي:
تحتفل المكسيك بيَوم الحَمير العالميّ بإقامة المُسابقات المتميزة لهذا الحيوان، واختيار الحمار الأجمل من بين مجموعة الحمير المتقدمة لهذه المُسابقات.
تحتفل مدينة مويو بمقاطعة النورمندي الفرنسيّة بيَوم الحمير العالميّ بإقامة مهرجان ومعرض للحمير كلّ عام، ليتم خلاله اختيار أجمل حمار، كما تُعقد المحاضرات والندوات والاستعراضات، وشهدت إحدى الفعاليات ما قامه أحد المُشاركين مع حماره بوضع مؤونة جندي وأدواته لإبراز دور الحمير في أوقات الحروب.
يحتفل الشعب الكيني بيَوم لحمار العالميّ على مدار أسبوعين من شهر مايو من كلّ عام ميلاديّ، حيث تُشكل الحَمير في دولة كينيا محور الاقتصاد؛ فعلى سبيل المثال يتواجد في كينيا أكثر من 1.8 مليون حمارًا، التي لها دور بارز في النقل والزراعة وتطوير اقتصاد البلاد.
الحمير في الأدب والتاريخ
الحمار، في رأي بعض الأدباء، خيرُ من يصغي من الحيوانات الأليفة المستأنسة، هادئ متزن، وما أن يحرّك أذنيه الطويلتين الواسعتين حتى يُخيَّل إليك أنّه حريصٌ على أن يسمعَك، وأنّه محلَّ ثقتِك.
من أجل هذا كان بعضُ الأدباء يديرون حواراتهم في بعض قصصهم أو رواياتهم أو مسرحياتهم أو مقالاتهم مع الحمار، كما سنرى في تتمة المقال.
وفي القرآن الكريم ذكر “الحمار” مرتين وذكرت “الحمير” مرتين، وذكرت “الحُمُر” مرة واحدة.
وذكر الحمار في التوراة 138 مرة وهنالك ستُّ وصايا على الأقل للاهتمام بالحمار في سِفرَي الخروج والتثنية.
ولا يُذكرُ الحمارُ في الإنجيل إلا قليلاً، لكنهم يروون أن المسيح دخل أورشليم، وهو يركب جحشًا كملكٍ للسلام، ولم يركب الفرسَ كملكٍ يذهب إلى الحرب والقتال.
وجاء في دائرة المعارف الكتابية تعليقٌ على ذكرِ الحمار في التوارة والإنجيل يقول: “جرت العادة أن يُضرَبَ المثلُ بالحمار في العِناد والغباء والبَلادة، لكن لا شيء من هذا في الكتاب المقدس، بل قيلَ إن الحمارَ يعرفُ مَعلفَ صاحبِه، فهو أذكى من الشعب الخاطئ”.
وجاء في كتاب الحيوان للجاحظ: أن موسى قال للخِضْر وهو صاحبُه: “أيُّ الدواب أحبُّ إليك وأيُّها أبغض؟” قال: “أُحِبُّ الفرسَ والحمارَ والبعير لأنها من مراكبِ الأنبياء، وأبغِضُ الفيلَ والجاموس والثور. فأما البعيرُ فمركبُ هود وصالح وشعيب والنبيين عليهم السلام. وأما الفرسُ فمركبُ أولي العزم من الرسل وكلِّ من أمرَهُ الله بحملِ السلاح وقتالِ الكفار. وأما الحمارُ فمركب عيسى بن مريم وعُزيز وبَلعم. وكيف لا أحبُّ شيئًا أحياه الله بعد موتِه قبل الحشر؟” (يقصد حمار عُزيز الذي أماته الله مئة عام).
ومن الأمثال العربية:
“ذكَّرني فوكِ حِماريْ أهلي”
وقصته أن رجلاً خرج يطلب حمارين ضلاّ له، فرأى امرأة متنقبة، فأعجبته حتى نسي الحمارين. فلم يزل يطلب إليها أن تَسفِرَ عن وجهها حتى سَفَرَت له، فإذا هي فوهاء (فمها كبير وأسنانها كبيرة وطويلة كأسنان الحمار) فتذكر الحمارين وهمَّ بالمسير. فقالت له: إلى أين؟ فقال لها: ذكرني فوك حماريْ أهلي. ومضى على وجهه هاربًا وهو ينشد:
ليتَ النقابَ على النساءِ محرَّمٌ كيلا تَغَرَّ قبيحةٌ إنسانا
وأشهرَ بيت شعر يتداوله النّاس:
لقد ذهبَ الحمارُ بأمّ عمرو فلا رجعت ولا رجعَ الحمارُ
وقال الزمخشري يسخر من راكبِ الحمار:
إن الحمارَ ومَن فوقَه حمارانِ شرُّهما الراكبُ
أما أشهر حمار في الأدب القصصي فهو حمار جحا، وأشهر حكاية تروى عنه: ركب جحا حماره ومشى ابنه الصغير خلفه. ومرَّا ببعض النسوة فشتمنه وقلن له: أيها الرجل. أما في قلبك رحمة؟ تركب أنت وتدع الصبي الضعيف يعدو وراءك؟ فنزل جحا عن الحمار وأركب ابنَه. ومرَّا بجماعة من الشيوخ فقال أحدهم لجحا: تمشي وأنت شيخ وتدع ولدك يركب الحمار. حقًا إنك أفسدت تربيته وعلمته عقوق الآباء. عندئذ قفز جحا إلى ظهر الحمار وركب وابنه معًا. ومرَّا بجماعة الرفق بالحيوان فقال أحدهم: أما تتقيان الله بالركوب معًا على هذا الحيوان الهزيل؟ فنزل جحا وابنه عن ظهر الحمار وساقا الحمار أمامهما. فمرا ببعض الخبثاء من الأولاد فقال أحدهم: تمشيان والحمارُ معكما ولا تركبانه. لقد حَق للحمار أن يركبكما. فأخذ جحا عصًا متينة وربط أرجل الحمار وعلقها وابنه بالعصار وحملا الحمار كل من طرف. فلحق بهما أهل البلد وهم يهتفون: مجانين… مجانين. وقبض الشرطة على جحا وابنه وأخذاهما إلى مستشفى المجانين. وفي الطريق قال جحا لابنه: أرأيت يا بني؟ رضى الناس غاية لا تُدرَك.
ومن أشهر الحمير عبر التّاريخ:
الحمار المصري القديم: يعتبر الحمار في تاريخ مصر القديم رمز للإله “ست”، الذي كان يمثل روح الشّر خلال العصر المتأخر.
حمار الحاكم بالله الخليفة الفاطمي: جاء في كتب التاريخ أن الخليفة الفاطمي كان يركب على حمار رمادي ويطوف في شوارع و أسواق القاهرة متنكرا بين العامة يستمع لشكاوى الناس ويراقب المكاييل.
مروان الحمار: أطلق لقب الحمار على الخليفة الأموي مروان بن محمد، وضرب فيه المثل فيقال: “أصبر في الحرب من حمار”، وقيل أن الخليفة كان معجبا بالحمار وبصبره وذكائه وبقدرته على التحمل والتجلد، فاتخذه شعارا وانتسب إليه بالاسم.
الحمار الديمقراطي: اختار أندرو جاكسون المرشح الديمقراطي سنة 1828م في الولايات المتحدة الأمريكية، رمزا لحملته الانتخابية “حمارا رمادي اللّون” جميل المظهر وألصق على ظهره شعار حملته الانتخابية وقاده وسط القرى والمدن المجاورة لمسكنه من أجل الدعاية لبرنامجه الانتخابي “الشعبوي” ضد منافسه.
حمار الحكيم: هي رواية شهيرة ألفها توفيق الحكيم سنة 1940م، وهي من أشهر روايات الكاتب والأديب المصري توفيق الحكيم.
ويعتبر البعض توفيق الحكيم أول رائد للحمار والحمير في الأجناس الأدبية، وله ثلاثة آثار في الحمار: حماري قال لي، حمار الحكيم، الحمير.
“حماري قال لي”: هي مجموعة مقالات، وفيها يعرفنا بحماره جحشاً، متقدماً في السّن ومتعباً محمَّلاً ثم نافقاً، ويقول: “إنّ أي حمار من الحمير التي أعرف أو لا أعرف هو لي صديق، أحبه وأحدب عليه، وأفهم ما يجول في خاطره، وأنظر إلى عينيه وأصغي إليه، فيخيل إليّ أنّ صمته الطّويل قد انفرج عن حديث مؤنس يدلي به إليّ، وأسئلة طريفة يلقيها عليَّ”.
وعناوين المقالات هي: من هو حماري؟ – حماري والطوفان – حماري وهتلر – حماري وموسوليني – حماري ومؤتمر الصلح – حماري وحزبه – حماري والذهب – حماري والسياسة – حماري والطالبة – حماري والقاضية – حماري وحزب النساء – حماري وعداوة المرأة – حماري والمحكمة – حماري والجريمة – حماري ومنظري – حماري وصورتي – حماري والنفاق – حماري والكفاح – حماري والجنة والنار.
وقد‏ ‏يتساءل‏ ‏سائل‏: ‏لماذا‏ ‏الحمار‏؟‏ ‏فيجيبك ‏الحكيم‏ ‏بنفسه‏: “‏الحمار‏ ‏له‏ ‏في‏ ‏حياتي‏ ‏شأن، ‏لقد‏ ‏سميت‏ ‏الحمار‏ ‏الفيلسوف‏، ‏إنّه ‏علّمني‏ ‏أشياء‏ كثيرة، بمجرد‏ ‏صمته‏ ‏وارتفاعه‏ ‏عن‏ ‏لجج‏ ‏البحر‏ ‏الخضم‏: ‏بحر‏ ‏السخف‏ ‏الإنساني‏”.!
حمار فيكتور هوغو يواجه كنط:
في القرن التاسع عشر، حضر الحمار على أقرب مسافة من الفلسفة، إذ أجلسه الأديب الفرنسي فيكتور هوغو في مواجهة الفيلسوف عمانوئيل كنط.
أمضى هوغو مدة طويلة من الزمن في كتابة قصيدته المسماة: الحمار. وفي هذه القصيدة نستمع إلى حمار يدعى باسيانسpatience (أي صبر بالفرنسية) يحاور على مدى خمس وستين صفحة الفيلسوف كنط، الذي كانت مكانته الفكرية في ذروتها آنذاك.
يرسم الحمار في هذه القصيدة، من خلال مرافعته العنيفة والانفعالية، صورة للإنسان الميؤوس منه، ولا يجد عذراً وجيهاً يسوِّغ تصرفات هذا الإنسان.
ولا يجد الفيلسوف كنط أية حجة عقلانية يقارع بها مرافعة الحمار الانفعالية، فيعلن في نهاية القصيدة اقتناعه بصواب آراء الحمار، ويعبِّر عن قلقه من صورة الإنسان: عالِمٌ ولكنه خبيث، جبانٌ أمام الكبار، ولكنه من دون رحمة أمام المساكين.
الحمار بلاتيرو:
ففي رواية “بلاتيرو وأنا” ، المعروفة عربياً ” أنا وحماري” لمؤلفه “خوان رامون خيمينث” الإسباني، الذي كتبها بطريقة السرد باستخدام الشعر الغنائي، والمكونة من 138 نص نثري، تروي أحداثًا في قرية “موغير” عن حياة وموت الحمار بلاتيرو، كتبها الشاعر محاوراً حماره الصغير “بلاتيرو” قائلاً:
” واضح يا بلاتيرو أنك لست حماراً بمعنى الكلمة الشائع، ولا بحسب التعريف الوارد في قاموس المجمع اللغوي الإسپاني. إنك حمار، نعم، كما أعرف الحمار وأفهمه. لك لغتك وليس لغتي. وعليه، فلا تخف، لن أجعلك بطلاً ثرثارًا في خرافةٍ ما، كما قد تكون تصورتَ وأنت بين كتبي، فأضفِرُ تعبيرَك الصوتي وعُواءَ الثعلب أو زقزقة الحسون لأستخلص من ثمَّ بحروفٍ مميَّزة مغزىً أخلاقيًا باردًا باطلاً… كلا يا بلاتيرو”.
“آه منا نحن معشر الحمير”
وفي ختام هذا المقال:
أوجه معايدة لحمير العالم في عيدهم وأرجو لكم دوام الصحة والسلامة من أيدي البشر التي تعمل على انقراضكم، كما وأدعو لكم بالكثرة وزيادة النسل، فيوماً ما سنحتاجكم في ظل أزمة النفط العالمية !!
وأتوجه إليكم معشر الحمير بالاعتذار، فالناسُ يدللون بالخيول والمارسيدسات والرانجات ولا يدللونكم …
# سفيربرس _ بقلم: هبة الكل

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *